للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي يُنْشِئُهَا ثِقَالًا بِمَا يَجْعَلُهُ فِيهَا مِنَ الْمَاءِ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ أَيْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ نفسه بحمد الله، أي:

متلبسا بِحَمْدِهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُسْتَبْعَدٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُنْطِقَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.

وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ الرَّعْدِ بِمَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَلَا اسْتِبْعَادَ فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ ذِكْرُهُ عَلَى الْإِفْرَادِ مَعَ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَهُ لِمَزِيدِ خُصُوصِيَّةٍ لَهُ، وَعِنَايَةٍ بِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ وَيُسَبِّحُ سَامِعُو الرَّعْدِ، أَيْ: يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ أي: وتسبح الْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَقِيلَ: مِنْ خِيفَةِ الرَّعْدِ. وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ هُمْ أَعْوَانُ الرَّعْدِ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لَهُ أَعْوَانًا وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيُهْلِكُهُ، وَسِيَاقُ هَذِهِ الْأُمُورِ هُنَا لِلْغَرَضِ الَّذِي سِيقَتْ لَهُ الْآيَاتُ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ الدِّلَالَةُ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْكُفَّارِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ أَيْ: وَهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةُ مَعَ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهُمُ اللَّهُ يُجَادِلُونَ فِي شَأْنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَيُنْكِرُونَ الْبَعْثَ تَارَةً وَيَسْتَعْجِلُونَ الْعَذَابَ أُخْرَى. وَيُكَذِّبُونَ الرُّسُلَ وَيَعْصُونَ اللَّهَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمِحَالُ الْمَكْرُ، وَالْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ:

التَّدْبِيرُ بِالْحَقِّ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ إِيصَالُ الْمَكْرُوهِ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ:

الْمِحَالُ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ والميم أصلية، وما حلت فُلَانًا مِحَالًا أَيُّنَا أَشَدُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: المحال العقوبة والمكروه.

قال الزّجّاج: يقال ما حلته مِحَالًا إِذَا قَاوَيْتُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَيُّكُمَا أَشَدُّ. وَالْمَحْلُ فِي اللُّغَةِ: الشِّدَّةُ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ «١» : أَيْ شَدِيدُ الْكَيْدِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحِيلَةِ جُعِلَ الْمِيمُ كَمِيمِ الْمَكَانِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْكَوْنِ، ثُمَّ يُقَالُ تَمَكَّنْتُ.

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: غَلِطَ ابْنُ قُتَيْبَةَ «٢» أَنَّ الْمِيمَ فِيهِ زَائِدَةٌ بَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْحَرْفَ عَلَى مِثَالِ فِعَالٍ أَوَّلُهُ مِيمٌ مَكْسُورَةٌ فَهِيَ أَصْلِيَّةٌ مِثْلُ مِهَادٍ وَمِلَاكٍ ومراس غير ذَلِكَ مِنَ الْحُرُوفِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ بِفَتْحِ الْمِيمِ. وَقَدْ فُسِّرَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بِالْحَوْلِ.

وَلِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي تَفْسِيرِ الْمِحَالِ هُنَا أَقْوَالٌ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ الْعَدَاوَةُ، الثَّانِي الْحَوْلُ، الثَّالِثُ الْأَخْذُ، الرَّابِعُ الْحِقْدُ، الْخَامِسُ الْقُوَّةُ، السَّادِسُ الْغَضَبُ، السَّابِعُ الْهَلَاكُ، الثَّامِنُ الْحِيلَةُ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ إِضَافَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ أَيِ الدَّعْوَةُ الْمُلَابِسَةُ لِلْحَقِّ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلْبَاطِلِ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَمَا يُقَالُ كَلِمَةُ الْحَقِّ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا دَعْوَةٌ مُجَابَةٌ وَاقِعَةٌ فِي مَوْقِعِهَا، لَا كَدَعْوَةِ مَنْ دُونَهُ. وَقِيلَ: الحق هو الله سبحانه والمعنى: أن الله سُبْحَانَهُ دَعْوَةَ الْمَدْعُوِّ الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ فَيُجِيبُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِدَعْوَةِ الْحَقِّ هَاهُنَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمَعْنَى: لِلَّهِ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَيُخْلِصُوا لَهُ. وَقِيلَ: دَعْوَةُ الْحَقِّ دُعَاؤُهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ لَا يُدْعَى فِيهِ سِوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ وَقِيلَ: الدَّعْوَةُ الْعِبَادَةُ، فَإِنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ هِيَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ أي: والآلهة الذين


(١) . انظر كتابه: تفسير غريب القرآن (٢٢٦) .
(٢) . كذا في المطبوع وتفسير القرطبي، وفي لسان العرب مادة: محل: القتيبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>