للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِسْحَاقَ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ «يَا عِبَادِي» بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «إِنَّ أَرْضِي» بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَسَكَّنَهَا الْبَاقُونَ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ «يَرْجِعُونَ» بِالتَّحْتِيَّةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: «لَنَثْوِيَنَّهُمْ» بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مَكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَمَعْنَى لَنَثْوِيَنَّهُمْ بِالْمُثَلَّثَةِ: لَنُعْطِيَنَّهُمْ غُرَفًا يَثْوُونَ فِيهَا، مِنَ الثَّوَى: وَهُوَ الْإِقَامَةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ ثَوَى الرَّجُلُ: إِذَا أَقَامَ، وَأَثْوَيْتُهُ: إِذَا أَنْزَلَتْهُ مَنْزِلًا يُقِيمُ فِيهِ. قَالَ الأخفش: لا تعجبني هذه القراءات لِأَنَّكَ لَا تَقُولُ أَثْوَيْتُهُ الدَّارَ، بَلْ تَقُولُ فِي الدَّارِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ حَرْفُ جَرٍّ فِي الْمَفْعُولِ الثَّانِي. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:

هُوَ عَلَى إِرَادَةِ حَرْفِ الْجَرِّ، ثُمَّ حَذَفَ كَمَا تَقُولُ أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ، أَيْ: بِالْخَيْرِ. ثُمَّ وَصَفَ سُبْحَانَهُ تِلْكَ الْغُرَفَ فَقَالَ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أَيْ: مِنْ تَحْتِ الْغُرَفِ خالِدِينَ فِيها أَيْ: فِي الْغُرَفِ لَا يَمُوتُونَ أَبَدًا، أَوْ فِي الْجَنَّةِ، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ المخصوص بالمدح محذوف، أَيْ: فِي الْغُرَفِ لَا يَمُوتُونَ أَبَدًا، أَوْ فِي الْجَنَّةِ، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ المخصوب المدح مَحْذُوفٌ، أَيْ: نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ أَجْرُهُمْ، وَالْمَعْنَى: الْعَامِلِينَ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْعَامِلِينَ فَقَالَ: الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ وَعَلَى أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَدْحِ وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أَيْ:

يُفَوِّضُونَ أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ فِي كُلِّ إِقْدَامٍ وَإِحْجَامٍ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا يُعِينُ عَلَى الصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ، وَهُوَ النَّظَرُ فِي حَالِ الدَّوَابِّ فَقَالَ: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي كَأَيِّنْ، وَأَنَّ أَصْلَهَا: أَيْ دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَافُ التَّشْبِيهِ وَصَارَ فِيهَا مَعْنَى كَمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ، وَتَقْدِيرُهَا عِنْدَهُمَا كَشَيْءٍ كَثِيرٍ مِنَ الْعَدَدِ مِنْ دَابَّةٍ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ دَابَّةٍ. وَمَعْنَى «لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا» لَا تُطِيقُ حَمْلَ رِزْقِهَا لِضَعْفِهَا وَلَا تَدَّخِرُهُ، وَإِنَّمَا يَرْزُقُهَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَيَرْزُقُكُمْ، فَكَيْفَ لَا يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ مَعَ قُوَّتِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى أَسْبَابِ الْعَيْشِ كَتَوَكُّلِهَا عَلَى اللَّهِ مَعَ ضَعْفِهَا وَعَجْزِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: تَأْكُلُ لِوَقْتِهَا، لَا تَدَّخِرُ شَيْئًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الطَّيْرَ وَالْبَهَائِمَ تَأْكُلُ بِأَفْوَاهِهَا وَلَا تَحْمِلُ شَيْئًا وَهُوَ السَّمِيعُ الَّذِي يَسْمَعُ كُلَّ مَسْمُوعٍ الْعَلِيمُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ. ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ حَالَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَعَجِبَ السَّامِعُ مِنْ كَوْنِهِمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَلَا يُوَحِّدُونَهُ وَيَتْرُكُونَ عِبَادَةَ غَيْرِهِ فَقَالَ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ أَيْ: خَلَقَهَا، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ، وَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ جُحُودِهِ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أَيْ: فَكَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِتَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالِاسْتِفْهَامُ: لِلْإِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ. وَلَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ: لَوْ كُنْتُمْ عَلَى حَقٍّ لَمْ تَكُونُوا فَقُرَّاءَ دَفَعَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ أي: التوسع في الرزق، والتقدير لَهُ هُوَ مِنَ اللَّهِ الْبَاسِطِ الْقَابِضِ يَبْسُطُهُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُضَيِّقُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ، وَمَا يَلِيقُ بِحَالِ عِبَادِهِ مِنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ، وَلِهَذَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَعْلَمُ مَا فِيهِ صَلَاحُ عِبَادِهِ، وَفَسَادُهُمْ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ أَيْ: نَزَّلَهُ وَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ اللَّهُ، يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ لَا يَجِدُونَ إِلَى إِنْكَارِهِ سَبِيلًا. ثُمَّ لَمَّا اعْتَرَفُوا هَذَا الِاعْتِرَافَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>