للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْأَئِمَّةِ: الْأَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: الْعُلَمَاءُ لَمَّا صَبَرُوا قَرَأَ الْجُمْهُورُ «لَمَّا» بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ:

حِينَ صَبَرُوا، وَالضَّمِيرُ: لِلْأَئِمَّةِ، وَفِي: لَمَّا، مَعْنَى الْجَزَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَمَّا صَبَرُوا جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ، وَوَرْشٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ: أَيْ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً لِصَبْرِهِمْ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ مُسْتَدِلًّا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «بِمَا صَبَرُوا» بِالْبَاءِ، وَهَذَا الصَّبْرُ هُوَ صَبْرُهُمْ عَلَى مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ، وَالْهِدَايَةِ لِلنَّاسِ، وَقِيلَ: صَبَرُوا عَنِ الدُّنْيَا وَكانُوا بِآياتِنا التَّنْزِيلِيَّةِ يُوقِنُونَ أَيْ: يُصَدِّقُونَهَا، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِمَزِيدِ تَفَكُّرِهِمْ، وَكَثْرَةِ تَدَبُّرِهِمْ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ أَيْ: يَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَيَحْكُمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَقِيلَ:

يَقْضِي بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمْ، حَكَاهُ النقاش أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ أي: أو لم يُبَيَّنْ لَهُمْ، وَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاعِلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ أي: أو لم نُبَيِّنْ لَهُمْ كَثْرَةَ إِهْلَاكِنَا مَنْ قَبْلَهُمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ:

كَمْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِيَهْدِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّ الْفَاعِلَ الْهُدَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِيَهْدِ: أي: أو لم يَهْدِ لَهُمُ الْهُدَى. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَمْ فِي موضع نصب بأهلكنا، قرأ الجمهور «أو لم يَهْدِ» بِالتَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو زَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بِالنُّونِ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ وَاضِحَةٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ فِيهَا إِشْكَالٌ لِأَنَّهُ يُقَالُ:

الْفِعْلُ لَا يَخْلُو مِنْ فَاعِلٍ فَأَيْنَ الْفَاعِلُ لِيَهْدِ؟ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْقُرُونِ: عَادٌ وَثَمُودُ وَنَحْوُهُمْ، وَجُمْلَةُ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَهُمْ، أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِ الْمُهْلَكِينَ وَيُشَاهِدُونَهَا، وَيَنْظُرُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْعِبَرِ وَآثَارِ الْعَذَابِ، وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: يَعُودُ إِلَى الْمُهْلَكِينَ، وَالْمَعْنَى: أَهْلَكْنَاهُمْ حَالَ كَوْنِهِمْ مَاشِينَ فِي مَسَاكِنِهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إِنَّ فِي ذلِكَ الْمَذْكُورِ لَآياتٍ عظيمات أَفَلا يَسْمَعُونَ ها وَيَتَّعِظُونَ بِهَا أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ أي: أو لم يَعْلَمُوا بِسَوْقِنَا الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَا تَنْبُتُ إِلَّا بِسَوْقِ الْمَاءِ إِلَيْهَا؟ وَقِيلَ:

هِيَ الْيَابِسَةُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْجَرْزِ: وَهُوَ الْقَطْعُ، أَيِ: الَّتِي قُطِعَ نَبَاتُهَا لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَلَا يُقَالُ لِلَّتِي لَا تُنْبِتُ أَصْلًا كَالسِّبَاخِ جُرُزٌ لِقَوْلِهِ: فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً قِيلَ: هِيَ أَرْضُ الْيَمَنِ، وَقِيلَ: أَرْضُ عَدَنٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:

هِيَ الْأَرْضُ الْعَطْشَى، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: يَبْعُدُ أَنْ تكن لأرض بِعَيْنِهَا لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ جَرُوزٌ: إِذَا كَانَ لَا يُبْقِي شَيْئًا إِلَّا أَكَلَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

خِبٌّ جَرُوزٌ وَإِذَا جَاعَ بَكَى ... وَيَأْكُلُ التَّمْرَ وَلَا يُلْقِي النَّوَى

وَكَذَلِكَ نَاقَةٌ جَرُوزٌ: إِذَا كَانَتْ تَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ تَجِدُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهَا أَرْضُ النِّيلِ، لِأَنَّ الْمَاءَ إِنَّمَا يَأْتِيهَا فِي كُلِّ عَامٍ فَنُخْرِجُ بِهِ أَيْ: بِالْمَاءِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ أَيْ: مِنَ الزَّرْعِ كَالتِّبْنِ، وَالْوَرَقِ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَأْكُلُهُ النَّاسُ وَأَنْفُسُهُمْ أَيْ: يَأْكُلُونَ الْحُبُوبَ الْخَارِجَةَ فِي الزَّرْعِ مِمَّا يَقْتَاتُونَهُ، وَجُمْلَةُ تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَفَلا يُبْصِرُونَ هَذِهِ النِّعَمَ وَيَشْكُرُونَ الْمُنْعِمَ، وَيُوَحِّدُونَهُ لِكَوْنِهِ الْمُنْفَرِدَ بِإِيجَادِ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الْقَائِلُونَ: هُمُ الْكُفَّارُ عَلَى الْعُمُومِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>