للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحقنا بحيّ أوّبوا السير بعد ما ... دَفَعْنَا شُعَاعَ الشَّمْسِ وَالطَّرَفُ مُجْنَحُ

قَرَأَ الْجُمْهُورُ أَوِّبِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ، مِنَ التَّأْوِيبِ: وَهُوَ التَّرْجِيعُ، أَوِ التَّسْبِيحُ، أَوِ السَّيْرُ، أَوِ النَّوْحُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَوِّبِي بِضَمِّ الهمزة أمرا من آب يؤوب إِذَا رَجَعَ، أَيِ: ارْجِعِي مَعَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَالطَّيْرَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى فَضْلًا عَلَى مَعْنَى: وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ، لِأَنَّ إِيتَاءَهُ إِيَّاهَا تَسْخِيرُهَا لَهُ، أَوْ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ يَا جِبالُ لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ تَقْدِيرًا، إِذِ الْمَعْنَى: نَادَيْنَا الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: انْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عَلَى مَعْنَى وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ، وَالنَّحَّاسُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ كَمَا تَقُولُ: اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ.

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى فَضْلًا لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: آتَيْنَاهُ فَضْلًا وَتَسْبِيحَ الطَّيْرِ.

وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ، وَالْأَعْرَجُ، وَيَعْقُوبُ، وَأَبُو نَوْفَلٍ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ، وابن هرمز، ومسلمة ابن عَبْدِ الْمَلِكِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ الْجِبَالِ، أَوْ عَلَى الْمُضْمَرِ فِي: أَوِّبِي لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ مَعْطُوفٌ عَلَى آتَيْنَاهُ: أَيْ: جَعَلْنَاهُ لَيِّنًا لِيَعْمَلَ بِهِ مَا شَاءَ. قَالَ الْحَسَنُ: صَارَ الْحَدِيدُ كَالشَّمْعِ يَعْمَلُهُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ الْحَدِيدُ فِي يَدِهِ كَالطِّينِ الْمَبْلُولِ وَالْعَجِينِ وَالشَّمْعِ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ وَلَا ضَرْبٍ بِمِطْرَقَةٍ، وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ، وَكَانَ يَفْرَغُ مِنْ عَمَلِ الدِّرْعِ فِي بَعْضِ يَوْمٍ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ فِي: أَنْ هَذِهِ وَجْهَانِ: أحدهما أنها مصدرية على حذف الْجَرِّ، أَيْ: بِأَنِ اعْمَلْ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْمُفَسِّرَةُ لِقَوْلِهِ: وَأَلَنَّا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ مَا هُوَ فِي معناه. وقدّر بعضهم فعلا في مَعْنَى الْقَوْلِ، فَقَالَ: التَّقْدِيرُ وَأَمَرْنَاهُ أَنِ اعْمَلْ. وَقَوْلُهُ: سابِغاتٍ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ دُرُوعًا سَابِغَاتٍ، وَالسَّابِغَاتُ: الْكَوَامِلُ الْوَاسِعَاتُ، يُقَالُ سَبَغَ الدِّرْعُ وَالثَّوْبُ وَغَيْرُهُمَا: إِذَا غَطَّى كُلَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَفَضَلَ مِنْهُ فَضْلَةٌ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السَّرْدُ نَسْجُ الدُّرُوعِ، وَيُقَالُ السَّرْدُ وَالزَّرْدُ كَمَا يقال السراد والمراد لِصَانِعِ الدُّرُوعِ، وَالسَّرْدُ أَيْضًا الْخَرْزُ، يُقَالُ سَرَدَ يَسْرُدُ: إِذَا خَرَزَ، وَمِنْهُ سَرَدَ الْكَلَامَ: إِذَا جاء به متواليا، ومنه حَدِيثِ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِنْهُ سرندى: أي جريء، وَمَعْنَى سَرْدِ الدُّرُوعِ إِحْكَامُهَا، وَأَنْ يَكُونَ نِظَامُ حِلَقِهَا وِلَاءً غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:

سَرَدَ الدُّرُوعَ مُضَاعِفًا أَسْرَادَهُ ... لِيَنَالَ طُولَ الْعَيْشِ غَيْرَ مَرُومِ

وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ:

وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ

قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الدُّرُوعُ قَبْلَ دَاوُدَ ثِقَالًا، فَلِذَلِكَ أُمِرَ هُوَ بِالتَّقْدِيرِ فِيمَا يَجْمَعُ الْخِفَّةَ وَالْحَصَانَةَ، أَيْ:

قَدِّرْ مَا تَأْخُذُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِقِسْطِهِ فَلَا تَقْصِدِ الْحَصَانَةَ فَيَثْقُلَ وَلَا الْخِفَّةَ فَيُزِيلَ الْمَنَعَةَ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: التَّقْدِيرُ الذي أمر به فِي قَدْرِ الْحَلْقَةِ، أَيْ: لَا تَعْمَلْهَا صَغِيرَةً فَتَضْعُفَ وَلَا يَقْوَى الدِّرْعُ عَلَى الدِّفَاعِ، وَلَا تَعْمَلْهَا كَبِيرَةً فَتَثْقُلَ عَلَى لَابِسِهَا. وَقِيلَ: إِنَّ التَّقْدِيرَ هُوَ فِي الْمِسْمَارِ: أَيْ لَا تَجْعَلْ مسمار الدرع رقيقا فَيَقْلِقَ وَلَا غَلِيظًا

<<  <  ج: ص:  >  >>