للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ زَادَ هَذَا الْجَوَابَ تَأْيِيدًا وَتَأْكِيدًا وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى أَيْ: لَيْسُوا بِالْخَصْلَةِ الَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا قُرْبَى. قَالَ مُجَاهِدٌ: الزُّلْفَى: الْقُرْبَى، وَالزُّلْفَةُ: الْقُرْبَةُ. قَالَ الْأَخْفَشُ: زُلْفَى اسْمُ مَصْدَرٍ كَأَنَّهُ قَالَ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا تَقْرِيبًا فَتَكُونُ زُلْفَى مَنْصُوبَةَ الْمَحَلِّ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ الَّتِي تَكُونُ لِلْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ جَمِيعًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْمَعْنَى وَمَا أَمْوَالُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى، وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالشَّيْءِ يُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى، ثُمَّ حُذِفَ خَبَرُ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ وَأَنْشَدَ:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ

وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ بِاللَّتَيْنِ وَبِاللَّاتِي وَبِاللَّوَاتِي وَبِالَّذِي لِلْأَوْلَادِ خَاصَّةً أَيْ: لَا تَزِيدُكُمُ الْأَمْوَالُ عِنْدَنَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلَا تُقَرِّبُكُمْ تَقْرِيبًا إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فَيَكُونُ مَحَلَّهُ النَّصْبُ، أَيْ: لَكِنْ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، أَوْ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تُقَرِّبُكُمْ، كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ، لِأَنَّ الْكَافَ وَالْمِيمَ لِلْمُخَاطَبِ فَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ رَأَيْتُكَ زَيْدًا. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَخْفَشَ وَالْكُوفِيِّينَ يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ، وقد قال بمثل قول الزجاج الفراء وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمَعْنَى مَا هُوَ إِلَّا مَنْ آمَنَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فَأُولئِكَ إِلَى مَنْ، وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ أَيْ: جَزَاءُ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «١» .

وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ: جَزَاءُ التَّضْعِيفِ لِلْحَسَنَاتِ، وَقِيلَ: لَهُمْ جَزَاءُ الْإِضْعَافِ لِأَنَّ الضِّعْفَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَالْبَاءُ فِي بِما عَمِلُوا لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ مِنْ جَمِيعِ مَا يَكْرَهُونَ، وَالْمُرَادُ غُرُفَاتُ الْجَنَّةِ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ جَزاءُ الضِّعْفِ بِالْإِضَافَةِ، وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَيَعْقُوبُ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَقَتَادَةُ بِرَفْعِهِمَا عَلَى أَنَّ الضِّعْفِ بَدَلٌ مِنْ جَزَاءُ. وَرُوِيَ عَنْ يَعْقُوبَ أَنَّهُ قَرَأَ «جَزَاءً» بِالنَّصْبِ مُنَوَّنًا، وَ «الضعف» بالرفع على تقدير: فَأُولَئِكَ لَهُمُ الضِّعْفُ جَزَاءً، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ جَزَاءً. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فِي الْغُرُفاتِ بِالْجَمْعِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ لِقَوْلِهِ: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً «٢» وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَخَلَفٌ «فِي الْغُرْفَةِ» بِالْإِفْرَادِ لِقَوْلِهِ: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ «٣» وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ ذَكَرَ حَالَ الْكَافِرِينَ فَقَالَ: وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا بِالرَّدِّ لَهَا وَالطَّعْنِ فِيهَا حَالَ كَوْنِهِمْ مُعاجِزِينَ مُسَابِقِينَ لَنَا زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ يَفُوتُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ مُعَانِدِينَ لَنَا بِكُفْرِهِمْ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ أَيْ: فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ تُحْضِرُهُمُ الزَّبَانِيَةُ إِلَيْهَا لَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا. ثُمَّ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ مَا تَقَدَّمَ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ لِلْحُجَّةِ، وَالدَّفْعِ لِمَا قَالَهُ الْكَفَرَةُ فَقَالَ: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ أَيْ: يُوَسِّعُهُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُضَيِّقُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى سَعَادَةٍ وَلَا شَقَاوَةٍ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ أَيْ يُخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ، يُقَالُ أَخْلَفَ لَهُ وَأَخْلَفَ عَلَيْهِ: إِذَا أَعْطَاهُ عِوَضَهُ وَبَدَلَهُ، وَذَلِكَ الْبَدَلُ إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَإِنَّ رِزْقَ الْعِبَادِ لِبَعْضِهِمُ الْبَعْضَ إِنَّمَا هُوَ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَلَيْسُوا بِرَازِقِينَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ، كَمَا يقال في الرجل إنه يرزق عياله،


(١) . الأنعام: ١٦٠.
(٢) . العنكبوت: ٥٨.
(٣) . الفرقان: ٧٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>