للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ نَصْبَهُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُهَا، ويوم الْفَصْلِ: خَبَرُهَا. ثُمَّ وَصَفَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ:

يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً يَوْمَ بَدَلٌ مِنْ يَوْمِ الْفَصْلِ، أَوْ مُنْتَصِبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفَصْلُ، أَيْ: يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ لَا يُغْنِي، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِلْفَصْلِ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَجْنَبِيٍّ، وَالْمَعْنَى:

أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ قَرِيبًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ شَيْئًا، وَيُطْلَقُ الْمَوْلَى عَلَى الْوَلِيِّ، وَهُوَ الْقَرِيبُ وَالنَّاصِرُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى. لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَهِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، أَيْ: وَلَا هُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ قَالَ الْكِسَائِيُّ: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَكِنْ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ، وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ، وَالْمَعْنَى: لَا يُغْنِي قَرِيبٌ عَنْ قَرِيبٍ إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُمْ يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الشَّفَاعَةِ فَيَشْفَعُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْلًى الْأَوَّلِ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُنْصَرُونَ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ أَيِ: الْغَالِبُ الَّذِي لَا يُنْصَرُ مَنْ أَرَادَ عَذَابَهُ الرَّحِيمُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ لَمَّا وَصَفَ الْيَوْمَ ذَكَرَ بَعْدَهُ وَعِيدَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ هِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ فِي جَهَنَّمَ وسماها الملعونة، فإذا جاع أهل النار التجؤوا إِلَيْهَا فَأَكَلُوا مِنْهَا، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ، وَالْأَثِيمُ: الْكَثِيرُ الْإِثْمِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: أَثِمَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ إِثْمًا وَمَأْثَمًا:

إِذَا وَقَعَ فِي الْإِثْمِ فَهُوَ آثِمٌ وَأَثِيمٌ وَأَثُومٌ، فَمَعْنَى طَعَامِ الْأَثِيمِ: ذِي الْإِثْمِ كَالْمُهْلِ وَهُوَ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ وَعَكِرُ الْقَطِرَانِ. وَقِيلَ: هُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ. وَقِيلَ: كُلُّ مَا يَذُوبُ فِي النَّارِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ تَغْلِي بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى الشَّجَرَةِ، وَالْجُمْلَةُ: خَبَرٌ ثان، أو: حال، أو: خبر مبتدأ مَحْذُوفٍ، أَيْ: تَغْلِي غَلْيًا مِثْلَ غَلْيِ الْحَمِيمِ، وَهُوَ الْمَاءُ الشَّدِيدُ الْحَرَارَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَحَفْصٌ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَوَرْشٌ عَنْ يَعْقُوبَ يَغْلِي بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى الطَّعَامِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الشَّجَرَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْمُهْلِ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِهِ، وَإِنَّمَا يَغْلِي مَا يُشَبَّهُ بِالْمُهْلِ، وَقَوْلُهُ: كَغَلْيِ الْحَمِيمِ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: غَلْيًا كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ أَيْ: يُقَالُ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةُ النَّارِ خُذُوهُ: أَيِ الْأَثِيمَ فَاعْتِلُوهُ، الْعَتْلُ: الْقَوْدُ بِالْعُنْفِ، يُقَالُ عَتَلَهُ يَعْتِلُهُ، إِذَا جَرَّهُ وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَكْرُوهٍ، وَقِيلَ الْعَتْلُ: أَنْ يَأْخُذَ بِتَلَابِيبِ الرَّجُلِ وَمَجَامِعِهِ فَيَجُرَّهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يصف فرسا:

نفرعه فرعا وَلَسْنَا نَعْتِلُهْ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ يَهْجُو جَرِيرًا:

حَتَّى تَرُدَّ إِلَى عَطِيَّةَ تُعْتَلُ «١»

قَرَأَ الْجُمْهُورُ فَاعْتِلُوهُ بِكَسْرِ التَّاءِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ أَيْ: إِلَى وَسَطِهِ، كَقَوْلِهِ: فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ «٢» ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ


(١) . وصدر البيت كما في الديوان (٢/ ١٦٠) : ليس الكرام بناحليك أباهم. ومعنى «تعتل» : تقاد قسرا.
(٢) . الصافات: ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>