للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:

أَحْسَنُ النَّجْمِ فِي السَّمَاءِ الثُّرَيَّا ... وَالثُّرَيَّا فِي الْأَرْضِ زَيْنُ النِّسَاءِ

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الثُّرَيَّا، وَهُوَ اسْمٌ غَلَبَ فِيهَا، تَقُولُ الْعَرَبُ: النَّجْمُ وَتُرِيدُ بِهِ الثُّرَيَّا، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: النَّجْمُ هُنَا هُوَ الزُّهَرَةُ لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا، وَقِيلَ: النَّجْمُ هُنَا النَّبْتُ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ، كَمَا فِي قوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ «١» قَالَهُ الْأَخْفَشُ. وَقِيلَ: النَّجْمُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ:

النَّجْمُ الْقُرْآنُ، وَسُمِّيَ نَجْمًا لِكَوْنِهِ نَزَلَ مُنَجَّمًا مُفَرَّقًا، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي التَّفْرِيقَ تَنْجِيمًا، وَالْمُفَرِّقَ: الْمُنَجِّمَ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْفَرَّاءُ وغير هما، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ النُّجُومُ إِذَا سَقَطَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا النُّجُومُ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ، وَمَعْنَى هُوِيِّهِ: سُقُوطُهُ مِنْ عُلْوٍ، يُقَالُ: هَوَى النَّجْمُ يَهْوِي هُوِيًّا إِذَا سَقَطَ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ، وَقِيلَ: غُرُوبُهُ، وَقِيلَ: طُلُوعُهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِهِ قال الأصمعي وغيره، ومنه قال زهير:

فشجّ بها الأماعز وَهِيَ تَهْوِي ... هُوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَهَا الرِّشَاءُ

وَيُقَالُ: هَوَى فِي السَّيْرِ إِذَا مَضَى وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بَيْنَمَا نَحْنُ بِالْبَلَاكِثِ فَالْقَا ... عِ سِرَاعًا وَالْعِيسُ تَهْوِي هُوِيًّا

خَطَرَتْ خَطْرَةٌ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ ذِكْ ... رَاكِ وَهْنًا فَمَا اسْتَطَعْتُ مُضِيَّا

وَمَعْنَى الْهُوِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ النَّجْمَ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ الشَّجَرُ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَظْهَرُ لِلْهُوِيِّ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَالْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ فِعْلُ الْقَسَمِ المقدّر، وجواب القسم قوله: مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى أَيْ: مَا ضَلَّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَقِّ وَالْهُدَى وَلَا عَدَلَ عَنْهُ، وَالْغَيُّ: ضِدُّ الرُّشْدِ، أَيْ: مَا صَارَ غَاوِيًا، وَلَا تَكَلَّمَ بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ: مَا خَابَ فِيمَا طَلَبَ، وَالْغَيُّ: الْخَيْبَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ ... وَمَنْ يَغْوِ لَا يَعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لَائِمًا

وَفِي قَوْلِهِ: صاحِبُكُمْ إِشَارَةٌ بِأَنَّهُمُ الْمُطَّلِعُونَ عَلَى حَقِيقَةِ حَالِهِ، وَالْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى أَيْ: مَا يَصْدُرُ نُطْقُهُ عَنِ الْهَوَى لَا بِالْقُرْآنِ وَلَا بِغَيْرِهِ، فَعَنْ عَلَى بَابِهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ عَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَيْ: بِالْهَوَى. قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: مَا يَنْطِقُ بِالْقِرَاءَةِ عَنْ هَوَاهُ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى أَيْ:

مَا هُوَ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ إِلَّا وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ يوحيه إليه. وقوله: يُوحى صفة لوحي تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ التَّجَدُّدِيَّ، وَتُفِيدُ نَفْيَ الْمَجَازِ، أَيْ: هُوَ وَحْيُ حَقِيقَةٍ لَا لِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى الْقُوَى: جَمْعُ قُوَّةٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ الَّذِي هُوَ شَدِيدٌ قُوَاهُ، هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ الْمُرَادَ جِبْرِيلُ. وَقَالَ الحسن:


(١) . الرّحمن: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>