للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمَا الْآخَرَ مَا لَا يُطِيقُهُ، فَلَا تُضَارَّهُ بِسَبَبِ وَلَدِهِ. قَوْلُهُ: وَعَلَى الْوارِثِ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ:

وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ وَمَا بَيْنَهُمَا تَفْسِيرٌ لِلْمَعْرُوفِ، أَوْ تَعْلِيلٌ لَهُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَقِيلَ: هُوَ وَارِثُ الصَّبِيِّ، أَيْ: إِذَا مَاتَ الْمَوْلُودُ له كان عَلَى وَارِثِ هَذَا الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ إِرْضَاعُهُ، كَمَا كَانَ يَلْزَمُ أَبَاهُ ذَلِكَ، قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى عَلَى خِلَافٍ بَيْنِهِمْ:

هَلْ يَكُونُ الْوُجُوبُ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ نَصِيبًا مِنَ الْمِيرَاثِ؟ أَوْ عَلَى الذُّكُورِ فَقَطْ؟ أَوْ عَلَى كُلِّ ذِي رَحِمٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا مِنْهُ؟ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بالوارث: وارث الأب عليه نفقة المرضعة، وكسوتها بالمعروف، قاله مَالِكٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُ الرَّجُلَ نَفَقَةُ أَخٍ، وَلَا ذِي قَرَابَةٍ، وَلَا ذِي رَحِمٍ مِنْهُ وَشَرَطَهُ الضَّحَّاكُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَتْ أُجْرَةُ رَضَاعِهِ مِنْ مَالِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ: هُوَ الصَّبِيُّ نَفْسُهُ: أَيْ: عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ إِرْضَاعُ نَفْسِهِ إِذَا مَاتَ أَبُوهُ وَوَرِثَ مِنْ مَالِهِ، قاله قبيصة بن ذؤيب، وبشير بن نصر قَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ: هُوَ الْبَاقِي مِنْ وَالِدِي الْمَوْلُودِ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ كَانَ عَلَى الْأُمِّ كِفَايَةُ الطِّفْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ أَيْ: وَارْثُ الْمُرْضِعَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْنَعَ بِالْمَوْلُودِ كَمَا كَانَتِ الْأُمُّ تَصْنَعُهُ بِهِ مِنَ الرَّضَاعِ وَالْخِدْمَةِ وَالتَّرْبِيَةِ. وَقِيلَ:

إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِضْرَارُ بِالْأُمِّ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ، وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ الْعَطْفُ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، إِذْ لَوْ أَرَادَ الْجَمِيعَ الَّذِي هُوَ الرَّضَاعُ وَالْإِنْفَاقُ وعدم الضرر لقال:

وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ هَؤُلَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْمُضَارَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ تَأَوَّلَهُ كَافَّةُ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا حَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِثْلُ ذَلِكَ: أَنْ لَا تُضَارَّ. وَأَمَّا الرِّزْقُ، وَالْكِسْوَةُ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْهُ. وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مِثْلَ مَا قَدَّمْنَا عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَدَعْوَى النَّسْخِ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ ضَعْفُ مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ، فَإِنَّ مَا خَصَّصُوا بِهِ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى: أَيْ: عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِالْمُرْضِعَةِ قَدْ أَفَادَهُ قَوْلُهُ: لَا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها لِصِدْقِ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُضَارَّةٍ تَرِدُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَوْلُودِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ: لَوْ أَرَادَ الْجَمِيعَ لَقَالَ: مِثْلَ هَؤُلَاءِ، فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ الْبَيِّنِ، فَإِنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ يَصْلُحُ لِلْمُتَعَدِّدِ كَمَا يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ بِتَأْوِيلِ: الْمَذْكُورِ أَوْ نَحْوِهِ. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَارِثِ: وَارِثُ الصَّبِيِّ، فَيُقَالُ عَلَيْهِ: إِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا حَقِيقَةً مَعَ وُجُودِ الصَّبِيِّ حَيًّا، بَلْ هُوَ وَارِثٌ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي: فَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَمْلُ الْوَارِثِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، لَكِنَّ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ مَعَ غِنَى الصَّبِيِّ مَا فِيهِ، وَلِهَذَا قَيَّدَهُ الْقَائِلُ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فَقِيرًا، وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الْوَارِثِ مَا تَقَدَّمَ من ذكر الوالدات والمولود له

<<  <  ج: ص:  >  >>