للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِالْعِقَابِ عَلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ: بِعَذابٍ واقِعٍ يَعْنِي إِمَّا فِي الدُّنْيَا كَيَوْمِ بَدْرٍ، أَوْ فِي الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ: لِلْكافِرينَ صِفَةٌ أُخْرَى لِعَذَابٍ، أَيْ: كَائِنٌ لِلْكَافِرِينَ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِوَاقِعٍ، وَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ، أَوْ بِسَأَلَ عَلَى تَضْمِينِهِ مَعْنَى دَعَا، أَوْ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى تَقْدِيرٍ: هُوَ لِلْكَافِرِينَ، أَوْ تَكُونُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى: وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ أُبَيِّ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ عَلَى الْكَافِرِينَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: التَّقْدِيرُ بِعَذَابٍ لِلْكَافِرِينَ وَاقِعٌ بِهِمْ، فَالْوَاقِعُ مِنْ نَعْتِ الْعَذَابِ، وَجُمْلَةُ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ صِفَةٌ أُخْرَى لِعَذَابٍ، أَوْ حَالٌ مِنْهُ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يُدْفَعُ ذَلِكَ الْعَذَابُ الْوَاقِعُ بِهِ أَحَدٌ، وَقَوْلُهُ: مِنَ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِوَاقِعٍ، أَيْ: وَاقِعٍ مِنْ جِهَتِهِ سُبْحَانَهُ، أَوْ بِدَافِعٍ، أَيْ: لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى ذِي الْمَعارِجِ أَيْ: ذِي الدَّرَجَاتِ الَّتِي تَصْعَدُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ السَّمَاوَاتُ، وَسَمَّاهَا مَعَارِجَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَعْرُجُ فِيهَا، وَقِيلَ: الْمَعَارِجُ مَرَاتِبُ نِعَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى الْخَلْقِ، وَقِيلَ: الْمَعَارِجُ: الْعَظَمَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الْغُرَفُ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «ذِي الْمَعَارِيجِ» بِزِيَادَةِ الْيَاءِ، يُقَالُ: مَعَارِجُ وَمَعَارِيجُ مِثْلُ مِفَاتِحَ وَمَفَاتِيحَ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ أَيْ: تَصَعَدُ فِي تِلْكَ الْمَعَارِجِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَعْرُجُ بِالْفَوْقِيَّةِ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ وَالْكِسَائِيُّ وَالسُّلَمِيُّ بِالتَّحْتِيَّةِ، والروح: جبريل، أفراد بِالذِّكْرِ بَعْدَ الْمَلَائِكَةِ لِشَرَفِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، وَقِيلَ: الرُّوحُ هُنَا مَلَكٌ آخَرُ عَظِيمٌ غَيْرُ جبريل. وقال أبو صالح: إنّه خلق مِنْ خَلْقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَهَيْئَةِ النَّاسِ وَلَيْسُوا مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ: إِنَّهُ رُوحُ الْمَيِّتِ حِينَ تُقْبَضُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمَعْنَى إِلَيْهِ أَيْ: إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِلَى عَرْشِهِ، وَقِيلَ: هُوَ كَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي أي: حَيْثُ أَمَرَنِي رَبِّي فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ ووهب ابن منبه: أي: عروج الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهَا فِي وَقْتٍ كَانَ مِقْدَارُهُ عَلَى غَيْرِهِمْ لَوْ صَعِدَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ مُدَّةَ عُمُرِ الدُّنْيَا هَذَا الْمِقْدَارُ لَا يَدْرِي أَحَدٌ كَمْ مَضَى وَلَا كَمْ بَقِيَ، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّ الْمُرَادَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، يَعْنِي أَنَّ مِقْدَارَ الْأَمْرِ فِيهِ لَوْ تَوَلَّاهُ غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَفْرَغُ مِنْهُ فِي سَاعَةٍ، وَقِيلَ: إِنَّ مُدَّةَ مَوْقِفِ الْعِبَادِ لِلْحِسَابِ هِيَ هَذَا الْمِقْدَارُ، ثُمَّ يَسْتَقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ. وَقِيلَ:

إِنَّ مِقْدَارَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْكَافِرِينَ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَقِيلَ:

ذُكِرَ هَذَا الْمِقْدَارُ لِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ وَالتَّخْيِيلِ لِغَايَةِ ارْتِفَاعِ تِلْكَ الْمَعَارِجِ وَبُعْدِ مَدَاهَا، أَوْ لِطُولِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالْمَكَارِهِ، كَمَا تَصِفُ الْعَرَبُ أَيَّامَ الشِّدَّةِ بِالطُّولِ وَأَيَّامَ الْفَرَحِ بِالْقِصَرِ، وَيُشَبِّهُونَ الْيَوْمَ الْقَصِيرَ بِإِبْهَامِ الْقَطَاةِ، وَالطَّوِيلَ بِظِلِّ الرُّمْحِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرُ «١» :

وَيَوْمٌ كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّرَ طُولَهُ ... دَمُ الزِّقِّ عَنَّا واصطفاق المزاهر»


(١) . هو شبرمة بن الطفيل.
(٢) . «الزق» : وعاء من جلد. ودم الزق: الخمر. «المزاهر» : العيدان. واصطفاق المزاهر: تجاوب بعضها بعضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>