للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَطِيعُونِ فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ فَإِنِّي رَسُولٌ إِلَيْكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ هذا جواب الأمر، و «من» لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: بَعْضَ ذُنُوبِكُمْ، وَهُوَ مَا سَلَفَ مِنْهَا قَبْلَ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمَعْنَى يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، فَتَكُونُ «مِنْ» عَلَى هَذَا زَائِدَةً، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ: هِيَ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَقِيلَ: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَا اسْتَغْفَرْتُمُوهُ مِنْهَا وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ: يُؤَخِّرْ مَوْتَكُمْ إِلَى الْأَمَدِ الْأَقْصَى الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لَكُمْ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ فَوْقَ مَا قَدَّرَهُ لَكُمْ، عَلَى تَقْدِيرِ بَقَائِكُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ، وَقِيلَ: التَّأْخِيرُ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ فِي أَعْمَارِهِمْ إِنْ آمَنُوا، وَعَدَمِ الْبَرَكَةِ فِيهَا إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. قَالَ مُقَاتِلٌ: يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى مُنْتَهَى آجَالِكُمْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ يُؤَخِّرْكُمْ عَنِ الْعَذَابِ فَتَمُوتُوا غَيْرَ مَيْتَةِ الْمُسْتَأْصِلِينَ بِالْعَذَابِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى لَا يُمِيتُكُمْ غَرَقًا وَلَا حَرْقًا وَلَا قَتْلًا إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ أَيْ: مَا قَدَّرَهُ لَكُمْ عَلَى تَقْدِيرِ بَقَائِكُمْ عَلَى الْكُفْرِ مِنَ الْعَذَابِ إِذَا جَاءَ، وَأَنْتُمْ بَاقُونَ عَلَى الْكُفْرِ، لَا يُؤَخَّرُ، بَلْ يَقَعُ لَا مَحَالَةَ، فَبَادِرُوا إِلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ وَهُوَ الْمَوْتُ إِذَا جَاءَ لَا يُمْكِنُكُمُ الْإِيمَانُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِذَا جَاءَ الْمَوْتُ لَا يُؤَخَّرُ سَوَاءً كَانَ بِعَذَابٍ أَوْ بِغَيْرِ عَذَابٍ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْ: شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ لَسَارَعْتُمْ إِلَى مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، أَوْ لَعَلِمْتُمْ أَنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً أَيْ: قَالَ نُوحٌ مُنَادِيًا لِرَبِّهِ وَحَاكِيًا لَهُ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ: إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي إِلَى مَا أَمَرْتَنِي بِأَنْ أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ دُعَاءً دَائِمًا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً عَمَّا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ وَبُعْدًا عَنْهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي تَبَاعُدًا مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِسْنَادُ الزِّيَادَةِ إِلَى الدُّعَاءِ لِكَوْنِهِ سَبَبَهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: زادَتْهُمْ إِيماناً. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: دُعَائِي بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَيَعْقُوبُ وَالدُّورِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِإِسْكَانِهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ أَيْ: كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ إِلَى سَبَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِكَ، وَالطَّاعَةُ لَكَ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا صَوْتِي وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ أَيْ: غَطَّوْا بِهَا وُجُوهَهُمْ لِئَلَّا يَرَوْنِي، وَقِيلَ: جَعَلُوا ثِيَابَهُمْ على رؤوسهم لِئَلَّا يَسْمَعُوا كَلَامِي، فَيَكُونُ اسْتِغْشَاءُ الثِّيَابِ عَلَى هَذَا زِيَادَةً فِي سَدِّ الْآذَانِ، وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْعَدَاوَةِ، يُقَالُ: لَبِسَ فُلَانٌ ثِيَابَ الْعَدَاوَةِ، وَقِيلَ: اسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ لِئَلَّا يَعْرِفَهُمْ فَيَدْعُوهُمْ وَأَصَرُّوا أَيِ: اسْتَمَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ، وَلَمْ يُقْلِعُوا عنه، ولا تابوا منه وَاسْتَكْبَرُوا عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ، وَعَنِ امْتِثَالِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ اسْتِكْباراً شَدِيدًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً أَيْ: مُظْهِرًا لَهُمُ الدَّعْوَةَ، مُجَاهِرًا لَهُمْ بِهَا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ أَيْ: دَعَوْتُهُمْ مُعْلِنًا لَهُمْ بِالدُّعَاءِ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً أَيْ: وَأَسْرَرْتُ لَهُمُ الدَّعْوَةَ إِسْرَارًا كَثِيرًا، قِيلَ: الْمَعْنَى: أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلَ بَعْدَ الرَّجُلِ يُكَلِّمُهُ سِرًّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ دَعَاهُمْ عَلَى وُجُوهٍ مُتَخَالِفَةٍ وَأَسَالِيبَ مُتَفَاوِتَةٍ، فَلَمْ يَنْجَعْ ذَلِكَ فِيهِمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَى أَعْلَنْتُ: صِحْتُ، وَقِيلَ: مَعْنَى أَسْرَرْتُ: أَتَيْتُهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ فَدَعَوْتُهُمْ فِيهَا. وَانْتِصَابُ جِهَارًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ جِهَارًا وَيَكُونُ غَيْرَ جِهَارٍ، فَالْجِهَارُ نَوْعٌ مِنَ الدُّعَاءِ، كَقَوْلِهِمْ: قَعَدَ الْقُرْفُصَاءَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: دُعَاءً جِهَارًا، وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: مُجَاهِرًا، وَمَعْنَى ثُمَّ الدَّلَالَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>