للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَلْبُوسَةُ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِتَطْهِيرِ ثِيَابِهِ وَحِفْظِهَا عَنِ النَّجَاسَاتِ، وَإِزَالَةِ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالثِّيَابِ الْعَمَلُ، وَقِيلَ: الْقَلْبُ، وَقِيلَ: النَّفْسُ، وَقِيلَ: الْجِسْمُ، وَقِيلَ: الْأَهْلُ، وَقِيلَ:

الدِّينُ، وَقِيلَ: الْأَخْلَاقُ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَأَبُو رَزِينٍ: أَيْ عَمَلَكَ فَأَصْلِحْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: نَفْسَكَ فَطَهِّرْ مِنَ الذَّنَبِ، وَالثِّيَابُ عِبَارَةٌ عَنِ النَّفْسِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَلْبَكَ فَطَهِّرْ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ «١»

وقال عكرمة: المعنى البسها على غير غدرة وَغَيْرِ فَجْرَةٍ «٢» . وَقَالَ: أَمَا سَمِعْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

فإنّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ ... لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ

وَالشَّاعِرُ هُوَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ. وَمِنْ إِطْلَاقِ الثِّيَابِ عَلَى النَّفْسِ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:

فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الطَّوِيلِ ثِيَابَهُ ... لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمِ

وَقَوْلُ الْآخَرِ «٣» :

ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ «٤»

وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْقُرَظِيُّ: إِنَّ الْمَعْنَى: وَأَخْلَاقَكَ فَطَهِّرْ لِأَنَّ خُلُقَ الْإِنْسَانِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحْوَالِهِ اشْتِمَالَ ثِيَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَيَحْيَى لَا يُلَامُ بِسُوءِ خُلْقٍ ... وَيَحْيَى طَاهِرُ الْأَثْوَابِ حُرُّ

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى وَثِيَابَكَ فَقَصِّرْ لِأَنَّ تَقْصِيرَ الثَّوْبِ أَبْعَدُ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِذَا انْجَرَّ عَلَى الْأَرْضِ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ. وَلَيْسَ فِي اسْتِعْمَالِ الثِّيَابِ مَجَازٌ عَنْ غَيْرِهَا لِعَلَاقَةٍ مَعَ قَرِينَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَيْسَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِ، أَعْنِي: الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ خِلَافٌ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الثِّيَابِ فِي الصَّلَاةِ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ الرُّجْزَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ:

الْعَذَابُ، وَفِيهِ لُغَتَانِ كَسْرُ الرَّاءَ وَضَمُّهَا، وَسُمِّيَ الشِّرْكُ وَعِبَادَةُ الْأَوْثَانِ رِجْزًا لِأَنَّهَا سَبَبُ الرِّجْزِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: الرِّجْزُ بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَحَفْصٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِضَمِّهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: الرُّجْزُ الْأَوْثَانُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الرِّجْزُ: الْمَأْثَمُ، وَالْهَجْرُ: التَّرْكُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الرِّجْزُ: إِسَافٌ وَنَائِلَةُ، وَهُمَا صَنَمَانِ كَانَا عِنْدَ الْبَيْتِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَالْكِسَائِيُّ: الرُّجْزُ بِالضَّمِّ الْوَثَنُ وَبِالْكَسْرِ الْعَذَابُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الرِّجْزُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْوَعِيدُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ لَا تَمْنُنْ بِفَكِّ الْإِدْغَامِ، وَقَرَأَ الحسن


(١) . وصدر البيت: وإن كنت قد ساءتك منّي خليقة.
(٢) . «الفجرة» : الكذبة العظيمة.
(٣) . هو ابن أبي كبشة، وينسب لامرئ القيس.
(٤) . وعجز البيت: وأوجههم بيض المسافر غرّان.

<<  <  ج: ص:  >  >>