للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ، وَمَعْنَى مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا أَيْ شَيْءٌ أَرَادَ بِهَذَا الْعَدَدِ الْمُسْتَغْرَبِ اسْتِغْرَابَ الْمَثَلِ. قَالَ اللَّيْثُ: الْمَثَلُ: الْحَدِيثُ، وَمِنْهُ قوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ «١» أي: حديثها والخبر عَنْهَا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْإِضْلَالِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْكَافُ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْمَعْنَى: مِثْلَ ذَلِكَ الْإِضْلَالِ لِلْكَافِرِينَ وَالْهِدَايَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ إِضْلَالَهُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ هِدَايَتَهُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ عَنِ الْجَنَّةِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ أي: ما يَعْلَمُ عَدَدَ خَلْقِهِ وَمِقْدَارَ جُمُوعِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عِلْمِ ذَلِكَ أَحَدٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَعْنِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ خَلَقَهُمْ لِتَعْذِيبِ أَهْلِ النَّارِ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَالْمَعْنَى:

أَنَّ خَزَنَةَ النَّارِ وَإِنْ كَانُوا تِسْعَةَ عَشَرَ فَلَهُمْ مِنَ الْأَعْوَانِ وَالْجُنُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ. ثُمَّ رَجَعَ سُبْحَانَهُ إِلَى ذِكْرِ سَقَرَ فَقَالَ: وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ أَيْ: وَمَا سَقَرُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ خَزَنَتِهَا إِلَّا تَذْكِرَةٌ وَمَوْعِظَةٌ لِلْعَالَمِ، وَقِيلَ: وَما هِيَ أَيِ: الدَّلَائِلُ وَالْحُجَجُ وَالْقُرْآنُ إِلَّا تَذْكِرَةٌ لِلْبَشَرِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: نَارُ الدُّنْيَا تَذْكِرَةٌ لِنَارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ بِعِيدٌ. وَقِيلَ: مَا هِيَ أَيْ عِدَّةُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ إِلَّا تَذْكِرَةٌ لِلْبَشَرِ لِيَعْلَمُوا كَمَالَ قُدْرَةِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَعْوَانٍ وَأَنْصَارٍ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي وَما هِيَ يَرْجِعُ إِلَى الْجُنُودِ.

ثُمَّ رَدَعَ سُبْحَانَهُ الْمُكَذِّبِينَ وَزَجَرَهُمْ فَقَالَ: كَلَّا وَالْقَمَرِ قَالَ الْفَرَّاءُ: كَلَّا صِلَةٌ لِلْقِسْمِ. التَّقْدِيرُ: أَيْ وَالْقَمَرِ، وَقِيلَ: المعنى: حقا والقمر. قال ابن جرير: والمعنى رَدُّ زَعْمِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُقَاوِمُ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ، أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ، ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَمَرِ وَبِمَا بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ أَيْ وَلَّى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِذَا بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ، دَبَرَ بِزِنَةِ ضَرَبَ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ وَحَمْزَةُ: إِذْ بِدُونِ أَلِفِ، أَدْبَرَ بِزِنَةِ أَكْرَمَ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، وَدَبَرَ وَأَدْبَرَ لغتان، كما يقال: أقبل، وَقَبَلَ الزَّمَانُ، يُقَالُ: دَبَرَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ إِذَا تَوَلَّى ذَاهِبًا وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أَيْ: أَضَاءَ وَتَبَيَّنَ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ هَذَا جَوَابُ الْقِسْمِ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى سَقَرَ، أَيْ: إِنَّ سَقَرَ لإحدى الدواهي أو البلايا الكبر، وَالْكِبَرُ: جَمْعُ كُبْرَى، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الْكُبَرَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ، وَقِيلَ:

إِنَّهَا: أَيْ: تَكْذِيبُهُمْ لِمُحَمَّدٍ لَإِحْدَى الْكُبَرُ، وَقِيلَ: إِنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ لَإِحْدَى الْكُبَرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

يَا ابْنَ الْمُعَلَّى نَزَلَتْ إِحْدَى الْكُبَرْ ... دَاهِيَةُ الدَّهْرِ وَصَمَّاءُ الْغِيَرْ

قَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَإِحْدَى بِالْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ في رواية عنه: إنها لحدي بِدُونِ هَمْزَةٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَرَادَ بِالْكُبَرِ دَرَكَاتِ جَهَنَّمَ وَأَبْوَابَهَا نَذِيراً لِلْبَشَرِ انْتِصَابُ نَذِيرًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي إِنَّهَا، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنِ الْكِسَائِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ:

قُمْ فَأَنْذِرْ أَيْ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَأَنْذِرْ حَالَ كَوْنِكَ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ


(١) . الرعد: ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>