للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثرت له العطاء، ومنه قول الشاعر «١» :

ونقفي «٢» وَلِيدَ الْحَيِّ إِنْ كَانَ جَائِعًا ... وَنُحْسِبُهُ إِنْ كَانَ لَيْسَ بِجَائِعِ

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ: نُعْطِيهِ حَتَّى يَقُولَ حَسْبِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: حِساباً أَيْ: مَا يَكْفِيهِمْ. قَالَ الْأَخْفَشُ: يُقَالُ: أَحْسَبَنِي كَذَا، أَيْ: كَفَانِي. قَالَ الْكَلْبِيُّ: حَاسَبَهُمْ فَأَعْطَاهُمْ بِالْحَسَنَةِ عَشْرًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:

حِسَابًا لِمَا عَمِلُوهُ، فَالْحِسَابُ بِمَعْنَى الْقَدْرِ، أَيْ: يُقَدِّرُ مَا وَجَبَ لَهُ فِي وَعْدِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُ وَعَدَ لِلْحَسَنَةِ عَشْرًا، وَوَعَدَ لِقَوْمٍ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ، وَقَدْ وَعَدَ لِقَوْمٍ جَزَاءً لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَا مِقْدَارَ كَقَوْلِهِ: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ «٣» وَقَرَأَ أَبُو هَاشِمٍ «حَسَّابًا» بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ، أَيْ: كَفَافًا. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ: حَسَّبْتُ الرَّجُلَ بِالتَّشْدِيدِ إِذَا أَكْرَمْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِذَا أَتَاهُ ضَيْفُهُ يُحْسِبُهُ

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «حِسَانًا» بِالنُّونِ. رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ. قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَزَيْدٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَالْمُفَضَّلِ عن عاصم برفع رب والرحمن على أن ربّ مبتدأ والرّحمن خَبَرُهُ، أَوْ عَلَى أَنَّ رَبُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مقدّر: أي: هو ربّ، والرّحمن صفته، ولا يَمْلِكُونَ خَبَرُ رَبُّ، أَوْ عَلَى أَنَّ رَبُّ مبتدأ، والرّحمن مبتدأ ثان، ولا يَمْلِكُونَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِخَفْضِهِمَا عَلَى أن ربّ بدل من ربك، والرّحمن صِفَةٌ لَهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِخَفْضِ الْأَوَّلِ عَلَى الْبَدَلِ، وَرَفْعِ الثَّانِي عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُوَ الرَّحْمَنُ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وَقَالَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَعْدَلُهَا، فَخَفَضَ رَبِّ لِقُرْبِهِ مِنْ رَبِّكَ، فَيَكُونُ نَعْتًا لَهُ وَرَفَعَ الرَّحْمَنُ لِبَعْدِهِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَخَبَرُهُ: لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً أَيْ:

لَا يَمْلِكُونَ أَنْ يَسْأَلُوا إِلَّا فِيمَا أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا بِالشَّفَاعَةِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَقِيلَ:

الْخِطَابُ الْكَلَامُ، أَيْ: لَا يَمْلِكُونَ أَنْ يُخَاطِبُوا الرَّبَّ سُبْحَانَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، دَلِيلُهُ: لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ «٤» . وَقِيلَ: أَرَادَ الْكُفَّارَ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَشْفَعُونَ. وَيَجُوزُ أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً مُقَرِّرَةً لِمَا تُفِيدُهُ الرُّبُوبِيَّةُ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا الظرف منتصب بلا يتكلمون، أو بلا يَمْلِكُونَ، وَ «صَفًّا» مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ:

مُصْطَفِينَ، أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ: يَصُفُّونَ صَفًّا، وَقَوْلُهُ: لَا يَتَكَلَّمُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ مُسْتَأْنَفٌ لتقرير ما قبله.


(١) . القائل: امرأة من بني قشير.
(٢) . «نقفيه» : أي نؤثره بالتقفية، وهي ما يؤثر به الضيف والصبي.
(٣) . الزمر: ١٠.
(٤) . هود: ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>