للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي عَطَبِهَا، وَشَتَّى: جَمْعُ شَتِيتٍ، كَمَرْضَى وَمَرِيضٍ، وَقِيلَ لِلْمُخْتَلِفِ: شَتَّى لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ بَعْضِهِ وَبَعْضٍ فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى أَيْ: بَذَلَ مَالَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَاتَّقَى مَحَارِمَ اللَّهِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى أَيْ: بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى الْمُعْسِرِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَعْطَى حَقَّ اللَّهِ الَّذِي عليه.

وقال الحسن: أعطى الصدق من قبله وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، أَيْ: بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّلَمِيُّ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْحُسْنَى: بِالْجَنَّةِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ قَتَادَةُ:

بِالْحُسْنى: أَيْ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَهُ أَنْ يُثِيبَهُ. قَالَ الْحَسَنُ: بِالْخَلَفِ مِنْ عَطَائِهِ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى أَيْ: فَسَنُهَيِّئُهُ لِلْخَصْلَةِ الْحُسْنَى، وَهِيَ عَمَلُ الْخَيْرِ، وَالْمَعْنَى: فَسَنُيَسِّرُ لَهُ الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلَ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ اشْتَرَى سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي أَهْلِ مَكَّةَ يُعَذِّبُونَهُمْ فِي اللَّهِ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى أَيْ: بَخِلَ بِمَالِهِ فَلَمْ يَبْذُلْهُ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ وَاسْتَغْنى أَيْ: زَهِدَ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، أَوِ اسْتَغْنَى بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى أَيْ: بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْجَنَّةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى أَيْ: فَسَنُهَيِّئُهُ لِلْخَصْلَةِ الْعُسْرَى وَنُسَهِّلُهَا لَهُ حَتَّى تَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَيَضْعُفُ عَنْ فِعْلِهَا فَيُؤَدِّيهِ ذَلِكَ إِلَى النَّارِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْسُرُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ خَيْرًا.

قِيلَ: الْعُسْرَى: الشَّرُّ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرَّ يُؤَدِّي إِلَى الْعَذَابِ، وَالْعُسْرَةُ فِي الْعَذَابِ، وَالْمَعْنَى: سَنُهَيِّئُهُ لِلشَّرِّ بِأَنْ نُجْرِيَهُ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: سَنُيَسِّرُهُ: سَنُهَيِّئُهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ يَسَّرَتِ الْغَنَمُ إِذَا وَلَدَتْ أَوْ تَهَيَّأَتْ لِلْوِلَادَةِ. قَالَ الشَّاعِرُ «١» :

هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا ... يَسُودَانِنَا إِنْ يَسَّرَتْ غَنَمَاهُمَا

وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى أَيْ: لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا مَالُهُ الَّذِي بَخِلَ بِهِ، أَوْ: أَيُّ شَيْءٍ يُغْنِي عَنْهُ إِذَا تَرَدَّى، أَيْ: هَلَكَ، يُقَالُ: رَدِيَ الرَّجُلُ يَرْدَى رَدًى، وَتَرَدَّى يَتَرَدَّى إِذَا هَلَكَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَأَبُو صَالِحٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: إِذا تَرَدَّى إِذَا سَقَطَ فِي جَهَنَّمَ، يُقَالُ: رَدِيَ فِي الْبِئْرِ وَتَرَدَّى: إِذَا سَقَطَ فِيهَا، وَيُقَالُ: مَا أَدْرِي أَيْنَ رَدِيَ، أَيْ: أَيْنَ ذَهَبَ؟ إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: إِنَّ عَلَيْنَا الْبَيَانَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ طَرِيقَ الْهُدَى مِنْ طَرِيقِ الضَّلَالِ. قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ بَيَانُ حَرَامِهِ وَطَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ سَلَكَ الْهُدَى فَعَلَى اللَّهِ سَبِيلُهُ، لِقَوْلِهِ: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ «٢» يقول: من أراد الله فو عَلَى السَّبِيلِ الْقَاصِدِ. قَالَ الْفَرَّاءُ أَيْضًا: الْمَعْنَى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَالْإِضْلَالَ، فَحَذَفَ الْإِضْلَالَ كَقَوْلِهِ: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «٣» وَقِيلَ الْمَعْنَى: إِنَّ عَلَيْنَا ثَوَابَ هُدَاهُ الَّذِي هَدَيْنَاهُ وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى أَيْ: لَنَا كُلُّ مَا فِي الْآخِرَةِ، وَكُلُّ مَا فِي الدُّنْيَا نَتَصَرَّفُ بِهِ كَيْفَ نَشَاءُ، فَمَنْ أَرَادَهُمَا أَوْ إِحْدَاهُمَا فَلْيَطْلُبْ ذَلِكَ مِنَّا، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّ لَنَا ثَوَابَ الْآخِرَةِ وَثَوَابَ الدُّنْيَا فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى


(١) . هو أبو أسيدة الدبيري.
(٢) . النحل: ٩.
(٣) . النحل: ٨١. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>