للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةِ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: الْأَنْعَامُ مِنْ نَوَاجِبِ الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ السَّلَفِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَرَأَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إِلَى وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ نَزَلَ إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ أَعْمَالِهِمْ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَمَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَإِنْ أَوْحَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِهِ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبْعُونَ حِجَابًا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا رَبُّكَ وَأَنْتَ عَبْدِي، امْشِ فِي ظِلِّي، وَاشْرَبْ مِنَ الْكَوْثَرِ، وَاغْتَسِلْ مِنَ السَّلْسَبِيلِ، وَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ» .

وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، وَقَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ، وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ مَلَكًا يُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَفِي فَضَائِلَ هَذِهِ السُّورَةِ رِوَايَاتٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مَرْفُوعَةٌ وَغَيْرُ مَرْفُوعَةٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:

قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذِهِ السُّورَةُ أَصْلٌ فِي مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُبْتَدِعِينَ وَمَنْ كَذَّبَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَهَذَا يَقْتَضِي إِنْزَالَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مِنَ الْحُجَّةِ وَإِنْ تَصَرَّفَ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَعَلَيْهَا بَنَى الْمُتَكَلِّمُونَ أُصُولَ الدين.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (٣)

بَدَأَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ كُلَّهُ لَهُ، وَلِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ لَهُ هُنَا، ثُمَّ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ: الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إِخْبَارًا عَنْ قُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ الْمُوجِبَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، فَإِنَّ مَنِ اخْتَرَعَ ذَلِكَ وَأَوْجَدَهُ هُوَ الْحَقِيقُ بِإِفْرَادِهِ بِالثَّنَاءِ وَتَخْصِيصِهِ بِالْحَمْدِ، وَالْخَلْقُ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ، وَبِمَعْنَى التَّقْدِيرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ، وَجَمَعَ السَّمَاوَاتِ لِتَعَدُّدِ طِبَاقِهَا، وَقَدَّمَهَا عَلَى الْأَرْضِ لِتَقَدُّمِهَا فِي الْوُجُودِ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها «١» . قَوْلُهُ: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَقَ، ذَكَرَ سُبْحَانَهُ خَلْقَ الْجَوَاهِرِ بِقَوْلِهِ:

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ ذَكَرَ خَلْقَ الْأَعْرَاضِ بِقَوْلِهِ: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ لَا تَسْتَغْنِي عَنِ الْأَعْرَاضِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِالظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالظُّلُمَاتِ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبِالنُّورِ ضِيَاءُ النَّهَارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا خُرُوجٌ عَنِ الظَّاهِرِ، انْتَهَى. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الظُّلُمَاتِ تَشْمَلُ كُلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الظُّلْمَةِ، وَالنُّورَ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسم النور،


(١) . النازعات: ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>