للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا أَيْ قُلْ لَهُمْ إِنْ كَانَ حَرَّمَ الذُّكُورَ فَكُلُّ ذَكَرٍ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَّمَ الْإِنَاثَ فَكُلُّ أُنْثَى حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ، يَعْنِي مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ فَكُلُّ مَوْلُودٍ حَرَامٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَكُلُّهَا مَوْلُودٌ، فَيَسْتَلْزِمُ أن كلها حرام. وقوله: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ أَخْبَرُونِي بِعِلْمٍ لَا بِجَهْلٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَالْمُرَادُ من هذا: التبكيت لهم وَإِلْزَامُ الْحُجَّةِ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ إِلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا أَمْ: هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، وَهِيَ بِمَعْنَى بل والهمزة، أي: بل كنتم شُهَدَاءَ حَاضِرِينَ مُشَاهِدِينَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا التَّحْرِيمِ. وَالْمُرَادُ: التَّبْكِيتُ وَإِلْزَامُ الْحُجَّةِ كَمَا سَلَفَ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَحَرَّمَ شَيْئًا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ وَنَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِ افْتِرَاءً عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ كُبَرَاءُ الْمُشْرِكِينَ، وَاللَّامُ فِي لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِلْعِلَّةِ: أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُضِلَّ النَّاسَ بِجَهْلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِافْتَرَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ عَلَى الْعُمُومِ، وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ فِي السِّيَاقِ دَاخِلُونَ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ مَعَ كَوْنِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَكْثَرَ نَفْعًا وَأَكْبَرَ أَجْسَامًا وَأَعْوَدَ فَائِدَةً، لَا سِيَّمَا فِي الْحَمُولَةِ وَالْفَرْشِ اللَّذَيْنِ وَقَعَ الْإِبْدَالُ مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوْضَحُ فِي إِعْرَابِ ثَمَانِيَةَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ. وَلَيْتَ شِعْرِي مَا فَائِدَةُ نَقْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ منْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ، وَكَوْنُ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ هُوَ هَكَذَا فِي الْآيَةِ مُصَرَّحًا بِهِ تَصْرِيحًا لَا لَبْسَ فِيهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى زَوْجَانِ. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ قَالَ: فِي شَأْنِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: الْجَامُوسُ وَالْبُخْتِيُّ مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قَالَ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ يَقُولُ: لَمْ أُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يَعْنِي هَلْ تَشْتَمِلُ الرَّحِمُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلِمَ يُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَيُحِلُّونَ بَعْضًا؟ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يَقُولُ: كُلُّهَا حَلَالٌ يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ممّا حرّمه أهل الجاهلية.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٤٥]]

قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>