للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ وَيَقُومُ بِهِ الْبُرْهَانُ، ثُمَّ أَوْضَحَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ الظُّنُونَ أَيْ: مَا يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخَطَأِ وَمَكَانُ الْجَهْلِ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ أَيْ: تَتَوَهَّمُونَ مُجَرَّدَ تَوَهُّمٍ فَقَطْ كَمَا يَتَوَهَّمُ الْخَارِصُ، وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّه سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّ لِلَّهِ الْحُجَّةَ الْبَالِغَةَ عَلَى النَّاسِ أَيِ: الَّتِي تَنْقَطِعُ عِنْدَهَا مَعَاذِيرُهُمْ وَتَبْطُلُ شَبَهُهُمْ وَظُنُونُهُمْ وتَوَهُّمَاتُهُمْ. وَالْمُرَادُ بِهَا الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ، وَالرُّسُلُ الْمُرْسَلَةُ، وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فَلَوْ شاءَ هِدَايَتَكُمْ جَمِيعًا لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا «١» وما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ أَيْ: هَاتُوهُمْ وَأَحْضِرُوهُمْ، وهم اسْمُ فِعْلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَالْمُفْرَدُ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: هَلُمَّا، هَلُمِّي، هَلُمُّوا، فَيَنْطِقُونَ بِهِ كَمَا يَنْطِقُونَ بِسَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَبِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْخَلِيلِ: هَا ضُمَّتْ إِلَيْهَا لَمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُهَا هَلْ، زِيدَتْ عَلَيْهَا الْمِيمُ، وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ لِلْخَلِيلِ: أَنَّ أَصْلَهَا هَلْ أَؤُمَّ: أَيْ هَلْ أَقْصِدُكَ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهَا، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ بَابِ التَّبْكِيتِ لَهُمْ، حَيْثُ يَأْمُرُهُمْ بِإِحْضَارِ الشُّهُودِ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مَعَ عِلْمِهِ أَنْ لَا شُهُودَ لَهُمْ فَإِنْ شَهِدُوا لَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ بل مجازفة وتعصب فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ أَيْ فَلَا تُصَدِّقْهُمْ، وَلَا تُسَلِّمُ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَاذِبُونَ جَاهِلُونَ، وَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أَيْ: وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ رَأْسُ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِنَا. قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَوْصُولِ: أَيْ لَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، وَأَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ أَيْ: يَجْعَلُونَ لَهُ عِدْلًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ كَالْأَوْثَانِ، وَالْجُمْلَةُ: إِمَّا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى: لَا يُؤْمِنُونَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا قَالَ: هَذَا قَوْلُ قُرَيْشٍ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا:

أَيِ: الْبَحِيرَةَ، وَالسَّائِبَةَ، وَالْوَصِيلَةَ وَالِحَامِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ قَالَ:

السُّلْطَانُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: لَيْسَ الشَّرُّ بِقَدَرٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْقَدَرِ هَذِهِ الْآيَةُ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِلَى قَوْلِهِ: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْعَجْزُ وَالْكَيْسُ مِنَ الْقَدَرِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: انْقَطَعَتْ حُجَّةُ الْقَدَرِيَّةِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ السدي في قَوْلِهِ: قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ قَالَ: أَرُونِي شُهَدَاءَكُمْ.


(١) . الأنعام: ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>