للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلنَّاسِ بِهِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّهْيِ، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوِ انْتِفَاءَ الْخَوْفِ مَنْ قَوْمِهِ يُقَوِّيهِ عَلَى الْإِنْذَارِ وَيُشَجِّعُهُ، لِأَنَّ الْمُتَيَقِّنَ يُقْدِمُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَيُبَاشِرُ بِقُوَّةِ نَفْسٍ. قَوْلُهُ: وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ الذِّكْرَى:

التَّذْكِيرُ. قَالَ الْبَصْرِيُّونَ: الذِّكْرَى: فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى كِتَابٌ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: وَذَكِّرْ بِهِ ذِكْرَى، قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ. وَيَجُوزُ الْجَرُّ حَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ لِتُنْذِرَ، أَيْ: لِلْإِنْذَارِ وَالذِّكْرَى، وَتَخْصِيصُ الذِّكْرَى بِالْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُنْجَعُ فِيهِمْ ذَلِكَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ الْإِنْذَارِ بِالْكَافِرِينَ. قَوْلُهُ: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يَعْنِي: الْكِتَابَ وَمِثْلُهُ السُّنَّةُ لِقَوْلِهِ:

وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «١» وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَهُوَ أَمْرٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ وَقِيلَ: هُوَ أَمْرٌ لِلْأُمَّةِ بَعْدَ أمره صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالتَّبْلِيغِ، وَهُوَ مُنَزَّلٌ إِلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ إِنْزَالِهِ إلى النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ نَهْيٌ لِلْأُمَّةِ عَنْ أَنْ يَتَّبِعُوا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُمْ وَيَجْعَلُونَهُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ، فَالضَّمِيرُ عَلَى هَذَا فِي مِنْ دُونِهِ يَرْجِعُ إِلَى رَبِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَا فِي مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، أَيْ: لَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِ كِتَابِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ تُقَلِّدُونَهُمْ فِي دِينِكُمْ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ طَاعَةِ الرُّؤَسَاءِ فِيمَا يُحَلِّلُونَهُ لَهُمْ وَيُحَرِّمُونَهُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ انْتِصَابُ قَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ لِلْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ، أَيْ: تَذَكُّرًا قَلِيلًا، وما: مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ أَوْ هُوَ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ لَا تَتَّبِعُوا، وَمَا: مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: لَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا تَذَكُّرُهُمْ، قُرِئَ تَذْكُرُونَ بِالتَّخْفِيفِ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَقُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْإِدْغَامِ، قَوْلُهُ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها كَمْ: هِيَ الْخَبَرِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِلتَّكْثِيرِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ وأَهْلَكْناها الْخَبَرُ، وَمِنْ قَرْيَةٍ: تَمْيِيزٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، لِأَنَّ لَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ، وَلَوْلَا اشْتِغَالُ أَهْلَكْنَاهَا بِالضَّمِيرِ لَجَازَ انْتِصَابُ كَمْ بِهِ، وَالْقَرْيَةُ: مَوْضِعُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، أَيْ: كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنَ الْقُرَى الْكَبِيرَةِ أَهْلَكْنَاهَا نَفْسَهَا بِإِهْلَاكِ أَهْلِهَا، أَوْ أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا، وَالْمُرَادُ: أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا. قَوْلُهُ: فَجاءَها بَأْسُنا مَعْطُوفٌ عَلَى أَهْلَكْنَا بِتَقْدِيرِ الْإِرَادَةِ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ تَرْتِيبَ مَجِيءِ الْبَأْسِ عَلَى الْإِهْلَاكِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهَذَا التَّقْدِيرِ، إِذِ الْإِهْلَاكُ هُوَ نَفْسُ مَجِيءِ الْبَأْسِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ الْفَاءَ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا يَلْزَمُ التَّقْدِيرُ، وَالْمَعْنَى: أَهْلَكْنَاهَا وَجَاءَهَا بَأْسُنَا، وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْإِهْلَاكَ وَاقِعٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَا بَعْضَ أَهْلِهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَا الْجَمِيعَ وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ حَكَمْنَا بِإِهْلَاكِهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا وَقِيلَ: أَهْلَكْنَاهَا بِإِرْسَالِ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ إِلَيْهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا، وَالْبَأْسُ: هُوَ الْعَذَابُ. وَحُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْتَ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ جَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا، مِثْلَ دَنَا فَقَرُبَ، وَقَرُبَ فَدَنَا بَياتاً أَيْ:

لَيْلًا، لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، يُقَالُ: بَاتَ يَبِيتُ بَيْتًا وَبَيَاتًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْحَالِ، أَيْ: بَائِتِينَ. قَوْلُهُ:

أَوْ هُمْ قائِلُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى بَيَاتًا، أَيْ: بَائِتِينَ أَوْ قَائِلِينَ، وَجَاءَتِ الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ بِدُونِ وَاوٍ اسْتِثْقَالًا لِاجْتِمَاعِ الْوَاوَيْنِ، وَاوِ الْعَطْفِ وَوَاوِ الْحَالِ، هَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. وَاعْتَرَضَهُ الزَّجَّاجُ فَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ بَلْ لَا يُحْتَاجُ إِلَى الْوَاوِ، تَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ رَاكِبًا أَوْ هُوَ مَاشٍ لِأَنَّ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرًا قد عاد إلى الأوّل، وأو في هذا الموضع:


(١) . الحشر: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>