للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ أَيْ: وَقْتٌ مُعَيَّنٌ مَحْدُودٌ يَنْزِلُ فِيهِ عَذَابُهُمْ مِنَ اللَّهِ أَوْ يُمِيتُهُمْ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَالضَّمِيرُ فِي أَجَلُهُمْ لِكُلِّ أُمَّةٍ، أَيْ: إِذَا جَاءَ أَجَلُ كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ كَانَ مَا قَدَّرَهُ عَلَيْهِمْ وَاقِعًا فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ لَا يَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ عَنْهُ سَاعَةً.

قَالَ أَبُو السُّعُودِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ قَوْلَهُ: وَلا يَسْتَقْدِمُونَ عَطْفٌ عَلَى يَسْتَأْخِرُونَ لَكِنْ لَا لِبَيَانِ انْتِفَاءِ التَّقَدُّمِ مَعَ إِمْكَانِهِ فِي نَفْسِهِ كَالتَّأَخُّرِ بَلْ لِلْمُبَالَغَةِ فِي انْتِفَاءِ التَّأَخُّرِ بِنَظْمِهِ فِي سِلْكِ الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَجِيءِ: الدُّنُوُّ بِحَيْثُ يُمْكِنُ التَّقَدُّمُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَجِيءِ الْيَوْمِ الَّذِي ضُرِبَ لِهَلَاكِهِمْ سَاعَةً مِنْهُ وَلَيْسَ بِذَاكَ. وَقَرَأَ ابْنُ سِيرِينَ «آجَالُهُمْ» بِالْجَمْعِ، وَخَصَّ السَّاعَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ أَسْمَاءِ الْأَوْقَاتِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ يَمُوتُ بِأَجَلِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ التَّرَدِّي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْبَحْثُ فِي ذَلِكَ طَوِيلٌ جِدًّا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ «١» . قوله: يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ الْآيَةَ، إِنْ: هِيَ الشَّرْطِيَّةُ وَمَا: زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَلِهَذَا لَزِمَتِ الْفِعْلَ النُّونُ الْمُؤَكِّدَةُ، وَالْقَصَصُ قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَالْمَعْنَى: إِنْ أَتَاكُمْ رُسُلٌ كَائِنُونَ مِنْكُمْ يُخْبِرُونَكُمْ بِأَحْكَامِي وَيُبَيِّنُونَهَا لَكُمْ فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ أَيِ: اتَّقَى مَعَاصِيَ اللَّهِ وَأَصْلَحَ حَالَ نَفْسِهِ بِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ، وَإِجَابَتِهِمْ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ هِيَ الْجَوَابُ لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ: جَوَابُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، أَيْ: إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَأَطِيعُوهُمْ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ الزَّجَّاجُ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الَّتِي يَقُصُّهَا عَلَيْهِمْ رُسُلُنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْ إِجَابَتِهَا وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ بِتَكْذِيبِ الْآيَاتِ وَالرُّسُلِ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ إِلَى الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ أَيْ: مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَقِيلَ: يَنَالُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ بِقَدْرِ كُفْرِهِمْ وَقِيلَ: الْكِتَابُ هُنَا القرآن لأن عذاب الكفار مذكور فيها وَقِيلَ: هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. قَوْلُهُ: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا أَيْ: إِلَى غَايَةٍ هِيَ هَذِهِ، وَجُمْلَةُ يَتَوَفَّوْنَهُمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَالْمُرَادُ بِالرُّسُلِ هُنَا: مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَعْوَانُهُ وَقِيلَ: حَتَّى هُنَا: هِيَ الَّتِي لِلِابْتِدَاءِ، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهَا لِابْتِدَاءِ الْكَلَامِ بَعْدَهَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، أَيْ: أَيْنَ الْآلِهَةُ الَّتِي كُنْتُمْ تَدْعُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَتَعْبُدُونَهَا، وَجُمْلَةُ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا اسْتِئْنَافِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ سُؤَالٍ وَقَعَتْ هِيَ جَوَابًا عَنْهُ، أَيْ: ذَهَبُوا عَنَّا وَغَابُوا فلا ندري أين هم؟


(١) . الحجر: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>