للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى لَمَّا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مَا وَقَعَ مِنَ السَّامِرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَمَا حَصَلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ التَّزَلْزُلِ فِي الدِّينِ، قَصَّ عَلَيْنَا سُبْحَانَهُ أَنَّ مِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةً مُخَالِفَةً لِأُولَئِكَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، وَوَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ أَيْ: يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْهِدَايَةِ حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَلَبِّسِينَ بِالْحَقِّ وَبِهِ أَيْ: بِالْحَقِّ يَعْدِلُونَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْحُكْمِ وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِ مُوسَى الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ، لَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْأُمَّةِ مِنْهُمُ الَّذِينَ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَالْمَعْنَى: صَيَّرْنَاهُمْ قِطَعًا مُتَفَرِّقَةً وَمَيَّزْنَا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ مَيَّزَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى صَارُوا أَسْبَاطًا، كُلُّ سِبْطٍ مَعْرُوفٌ عَلَى انْفِرَادِهِ، لِكُلِّ سِبْطٍ نَقِيبٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً «١» وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ:

اثْنَتَيْ عَشْرَةَ هو ثاني مَفْعُولَيْ قَطَّعْنَا لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى التَّصْيِيرِ، وَأَسْبَاطًا: تَمْيِيزٌ له، أو بدل منه، وأُمَماً نَعْتٌ لِلْأَسْبَاطِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، وَالْأَسْبَاطُ: جَمْعُ سِبْطٍ: وَهُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ، صَارُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُمَّةً مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَدًا، وَأَرَادَ بِالْأَسْبَاطِ: الْقَبَائِلَ، وَلِهَذَا أُنِّثَ الْعَدَدُ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَإِنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا عَشْرُ أَبْطُنٍ ... وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قَبَائِلِهَا الْعَشْرِ

أَرَادَ بِالْبَطْنِ: الْقَبِيلَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْأَسْبَاطِ فِي الْبَقَرَةِ، وَرَوَى الْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ قَطَّعْناهُمُ مُخَفَّفًا، وَسَمَّاهُمْ أُمَمًا، لِأَنَّ كُلَّ سِبْطٍ كَانَ جَمَاعَةً كَثِيرَةَ الْعَدَدِ، وَكَانُوا مُخْتَلِفِي الْآرَاءِ يَؤُمُّ بَعْضُهُمْ غَيْرَ مَا يَؤُمُّهُ الْآخَرُ وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَيْ: وَقْتَ اسْتِسْقَائِهِمْ لَهُ لَمَّا أَصَابَهُمُ الْعَطَشُ فِي التِّيهِ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ تَفْسِيرٌ لِفِعْلِ الْإِيحَاءِ فَانْبَجَسَتْ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، أَيْ: فَضَرَبَ فَانْبَجَسَتْ، وَالِانْبِجَاسُ: الِانْفِجَارُ، أَيْ: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً بِعَدَدِ الْأَسْبَاطِ لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ أَيْ: كُلُّ سِبْطٍ مِنْهُمُ الْعَيْنَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ الَّتِي يَشْرَبُ مِنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ مُغْنِيَةٌ عَنِ الْإِعَادَةِ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ أَيْ: جَعَلْنَاهُ ظُلَلًا عَلَيْهِمْ فِي التِّيهِ، يَسِيرُ بِسَيْرِهِمْ، وَيُقِيمُ بِإِقَامَتِهِمْ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى أَيِ: التَّرَنْجَبِينَ وَالسَّمَّانِيَّ، كَمَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي الْبَقَرَةِ كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمْ كُلُوا مِنَ الْمُسْتَلَذَّاتِ الَّتِي رَزَقْنَاكُمْ وَما ظَلَمُونا بِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَكُفْرَانِ النِّعَمِ وَعَدَمِ تَقْدِيرِهَا حَقَّ قَدْرِهَا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أَيْ: كَانَ ظُلْمُهُمْ مُخْتَصًّا بِهِمْ مَقْصُورًا عَلَيْهِمْ، لَا يُجَاوِزُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ أَيْ: وَاذْكُرْ وَقْتَ قِيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ أي: ببيت المقدس أو أريحاء، وقيل:


(١) . المائدة: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>