للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعهودة التي هي انكار يوم الحاقة الحقيقية على وجه المبالغة وبعد نزول الوحى ومجيء الرسل إليهم

فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ اى عصى كل امة لرسولها المبعوث إليهم ليهديهم الى طريق الرشد فكذبوه واستهزؤا معه وبالغوا في تكذيبه وعصيانه فَأَخَذَهُمْ سبحانه اى كلا منهم أَخْذَةً رابِيَةً زائدة شديدة بمقتضى ما ازدادوا في العصيان والتكذيب اذكر يا أكمل الرسل شدة أخذنا إياهم

إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ بعد ما أمرناه بالطغيان في يوم الطوفان الى حيث حَمَلْناكُمْ اى آباءكم الذين آمنوا بنوح عليه السلام وأنتم حينئذ في أصلابهم فِي الْجارِيَةِ السفينة التي قد صنعها نوح عليه السلام بتعليمنا له قبل الطوفان بمدة وأغرقنا الكفرة بأجمعهم بحيث لم يبق على الأرض سوى اصحاب السفينة احد من البشر وانما حملناكم عليها وأنجيناكم بها

لِنَجْعَلَها

اى هذه الفعلة الجميلة التي هي نجاة المؤمنين من الطوفان العظيم لَكُمْ

ايها المستخلفون المكلفون تَذْكِرَةً

اى عظة وعبرة وتبصرة دالة على كمال قدرة الصانع الحكيم ومتانة حكمته وَتَعِيَها

اى تستحضر وتستحفظ هذه التذكرة والتبصرة الكاملة أُذُنٌ واعِيَةٌ

حافظة لعموم العبر والتذاكير المورثة للقلوب الصافية الخائفة خيرا كثيرا ونفعا كبيرا وبعد ما بالغ سبحانه في وصف القيامة وشرح أهوالها وأحوالها وذكر حال من كذب بها ومآل امره أراد أن يشرح ما يظهر فيها من الأمور الهائلة والوقائع العظيمة عند قيامها فقال

فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وهي النفخة الاولى التي عندها خراب العالم

وَحين سماعها وظهورها حُمِلَتِ ورفعت الْأَرْضُ وَالْجِبالُ من أماكنهما التي قد استقرتا عليها بان امر لهما سبحانه بالحركة والاضطراب على مقتضى القدرة الغالبة القاهرة فَدُكَّتا بعد ما سمعتا الأمر الوجوبي وانكسرتا بحيث اضمحلت اجزاؤهما وتفتتت فصارتا دَكَّةً واحِدَةً اى قاعا صفصفا مسواة ملساء بحيث لا عوج لها ولا أمتا نتوا

فَيَوْمَئِذٍ اى حين وقوع هذه الحالة الهائلة قد وَقَعَتِ الْواقِعَةُ العظمى وقامت الطامة الكبرى

وَقد انْشَقَّتِ السَّماءُ وانحلت التيامها ونظامها وتضعضعت بنيانها وأركانها فَهِيَ اى السماء يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ منهدمة منحلة الاجزاء والتراكيب

وَالْمَلَكُ يومئذ اى جنس الملائكة ينزلون عَلى أَرْجائِها اى أقطارها وانحائها بعد ما كانوا في حافاتها وحواقها وَبعد ما خربت السموات وانهدمت يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل فَوْقَهُمْ اى فوق الملائكة النازلين على الارجاء يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ من الملائكة بعد ما كانوا قبل ذلك اربعة إذ حملة العرش في النشأة الاولى اربعة وفي النشأة الاخرى تكون ثمانية على ما أشار اليه صلّى الله عليه وسلّم في الحديث كأنه أشار بالأربعة الى أمهات الصفات الإلهية التي هي الحياة والعلم والقدرة والارادة وبالثمانية الى مجموع الصفات الثمانية الذاتية وبالجملة

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ أنتم ايها الاظلال الهالكة والعكوس المستهلكة على الله عرض العسكر على السلطان بحيث لا تَخْفى ولا تتستر مِنْكُمْ في يوم العرض خافِيَةٌ اى سر مستور مكتوم على الله حتى يكون العرض للاطلاع والشعور بل الكل في حضرة علمه حاضر غير مغيب ومخفي وانما تعرضون ليظهر كمال القسط والعدل الإلهي بالنسبة الى عموم العباد وحتى يظهر عندهم ان الحجة البالغة الغالبة لله ثم فصل سبحانه احوال العباد في الحساب والجزاء وإتيان صحف أعمالهم ليطالعوا فيها جميع ما اقترفوا في نشأة الاختبار فقال

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ لمن حوله فرحا وسرورا هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ اى تعالوا فاقرؤا كتابي هذا

إِنِّي ظَنَنْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>