للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في النشأة الاولى ظنا قريبا الى الجزم واليقين إِنِّي اليوم مُلاقٍ حِسابِيَهْ هكذا على الوجه الأحسن وبواسطة يقيني وجزمى قد كنت قدما أخاف ان يصدر عنى شيء يعاقب على بسببه وبالجملة

فَهُوَ حينئذ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ صاحبها لكونها صافية عن مطلق الكدورات متمكنا

فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ رفيعة مكانا ومكانة

قُطُوفُها وثمارها دانِيَةٌ قريبة لمن ناولها مهما أراد تناولها نالها وناولها بلا تعب ومشقة ويقال لهم حينئذ

كُلُوا وَاشْرَبُوا من ثمار الجنة ومائها هَنِيئاً سائغا مريئا كل ذلك بِما أَسْلَفْتُمْ وقدمتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ الماضية في نشأة الاختبار فيصور لكم أعمالكم بهذه الصور البديعة في النشأة الاخرى

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ بعد ما رأى تفصيل المعاصي والقبائح الصادرة منه في نشأة الاختبار متمنيا متحسرا من غاية الضجرة والأسف المفرط يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ ولم اعط كِتابِيَهْ هذا

وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ فيه

يا لَيْتَها كانَتِ هذه الحالة الآتية على الْقاضِيَةَ الفارقة بيني وبين حياتي بحيث لم أصر حيا بعد هذه الحالة حتى لا افتضح على رؤس الاشهاد. ثم قال متأسفا متحسرا على ما مضى عليه قائلا

ما أَغْنى ودفع العذاب عَنِّي مالِيَهْ اى ما نسب الى من الأموال والأولاد والاتباع بل

هَلَكَ اى قد ضل وضاع اليوم عَنِّي سُلْطانِيَهْ اى تسلطي على الناس وتفوقى على الأقران وهو في أمثال هذه الهواجس على سبيل الضجرة والحسرة قيل للموكلين من قبل الحق

خُذُوهُ فَغُلُّوهُ بالاغلال الضيقة الثقيلة

ثُمَّ الْجَحِيمَ المسعر العظيم المعهود الذي يعد لأصحاب الثروة والجاه من الكفرة صَلُّوهُ اطرحوه

ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها وقدرها طولا سَبْعُونَ ذِراعاً بذراع لا يعرف قدرها الا الله فَاسْلُكُوهُ أدخلوه ولفوه بها بحيث يصير محفوفا بها لا يقدر على الحركة أصلا ألا وهي أغلال الأماني وسلسلة الآمال الطويلة الامكانية وكيف لا يعذب الكافر كذلك

إِنَّهُ من غاية نخوته وتجبره قد كانَ لا يُؤْمِنُ ولا يذعن بِاللَّهِ الْعَظِيمِ المستحق للعبودية والايمان عتوا وعنادا ولا شك ان من تعظم على الله العلى العظيم قد استحق أسوأ العذاب وأشد النكال

وَمع هذا الكفر والكفران لا يَحُضُّ اى لا يحث ولا يرضى فيما مضى عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ان أطعمه احد من ماله فضلا ان يطعمه هو بنفسه عن ماله

فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا اى في يوم العرض والجزاء حَمِيمٌ قريب من أقاربه يحميه ويشفع له كما في الدنيا

وَلا طَعامٌ يأكله ويشبع منه إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ اى من غسالة اهل النار وما يسيل منهم من القيح والصديد وبالجملة

لا يَأْكُلُهُ اى الغسلين إِلَّا الْخاطِؤُنَ اى اصحاب الخطايا والمعاصي العظام والجرائم الكبيرة والآثام وبعد ما شرح سبحانه من احوال يوم القيامة وأهوالها وافزاعها وما جرى فيها من الوعيدات الهائلة والمصائب الشديدة الشاملة فرع عليه قوله

فَلا أُقْسِمُ يعنى لا حاجة في اثبات ما ثبت وتبين الى تأييده بالقسم بِما تُبْصِرُونَ من المظاهر والمجالى

وَما لا تُبْصِرُونَ منها من المقسمات التي لم نطلع أحدا عليها فعليكم ايها المكلفون ان تتوجهوا الى القرآن المنزل عليكم لأجل التبيان والبيان فتعتقدوا جميع ما فيها حقا صدقا وتمتثلوا باوامرها وتجتنبوا عن نواهيها

إِنَّهُ اى القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ نفسه لا يتأتى منه الجرأة والافتراء على الله إذ هو ملك منزه عن أمثال هذه الرذائل المنافية لمنصب الرسالة التي هي مرتبة الخلافة والنيابة عن المرسل الكريم

وَما هُوَ اى القرآن بِقَوْلِ شاعِرٍ كما يقول في حقه بعض الكفرة الجاهلين

<<  <  ج: ص:  >  >>