للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه اذكر لهم يا أكمل الرسل كيف يعملون

يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ من القهر الإلهي كَالْمُهْلِ اى كالفضة المذابة يسيل من مكانها من غاية الخشية الإلهية

وَتَكُونُ الْجِبالُ الملونة بالألوان المختلفة بعد ما شمل النظر القهرى الإلهي كَالْعِهْنِ اى كالصوف المصبوغ المندوف تذروه الرياح حيث شاءت

وَيومئذ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً اى لا يسأل قريب عن قريب وصديق عن صديقه بل يومئذ يفر المرء من أخيه وامه وأبيه وبالجملة لا يلتفت احد الى احد من شدة هوله وشغله بحاله بحيث

يُبَصَّرُونَهُمْ وينبهون عليهم من حال أقاربهم ليرقوا لهم وهم لا يلتفتون إليهم ولا يرقون لهم بل يَوَدُّ ويحب الْمُجْرِمُ حينئذ متمنيا لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ الذين هم أحب اليه وأعز عليه من نفسه في دار الدنيا

وَكيف لا يود ان يفتدى ايضا بأحب الناس اليه بعد بنيه صاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ

وَفَصِيلَتِهِ أقاربه وعشيرته الَّتِي تُؤْوِيهِ اى تضمه الى نفسه وقت حلول الشدائد ونزول الملمات في دار الدنيا بل

وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً يعنى بل يود ويرضى ان يفتدى عن نفسه بجميع من في الأرض من الثقلين لو قدر عليه ثُمَّ يُنْجِيهِ اى نفسه بالفدية المذكورة من عذاب ذلك اليوم الهائل

كَلَّا وحاشا ان ينقذ وينجى المجرم بأمثال هذه الافتداءات من عذاب الله بل كل نفس يومئذ رهينة بما كسبت إِنَّها اى النار المسعرة التي اسمها لَظى اى ذات لهب والتهاب تتلظى وتلتهب دائما بحيث تصير

نَزَّاعَةً لِلشَّوى اى تنزع من شدة التهابها الأطراف عن أماكنها سيما جلدة الوجه والرأس وبالجملة

تَدْعُوا وتجذب الى نفسها مَنْ أَدْبَرَ عن الايمان ولم يقبل الى قبول الدعوة وَتَوَلَّى اى انصرف عن الطاعة واطاعة الداعي

وَمع ذلك جَمَعَ مالا عظيما من حطام الدنيا فَأَوْعى اى فجعله في وعائه وكنزه من غاية حرصه وأمله ولم ينفق في سبيل الله لعدم وثوقه بكرم الله وبالجملة

إِنَّ الْإِنْسانَ المجبول على الكفران والنسيان خُلِقَ هَلُوعاً شديد الحرص قليل الصبر طويل الأمل بحيث

إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ اى الضر والسوء صار جَزُوعاً يكثر الجزع ويلح في كشف الأذى

وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ اى الفرح والسرور والسعة والخصب صار مَنُوعاً يبالغ في البخل والإمساك وهؤلاء كلهم هلكى في تيه الحرص والأمل وقلة التصبر على البلوى وكمال التكبر والتجبر عند السراء

إِلَّا الْمُصَلِّينَ المائلين المتوجهين الى الله في عموم الأحوال بمقتضى الرضاء والتسليم قانعين بما وصل إليهم من الإحسان والتكريم صابرين على عموم ما أصابهم من العليم الحكيم منفقين في سبيل الله مما استخلفهم عليه سبحانه من الرزق الصوري والمعنوي لمرضاة الله وهربا عن مساخطه

الَّذِينَ هُمْ من كمال تحننهم وتشوقهم الى الله عَلى صَلاتِهِمْ وميلهم نحوه دائِمُونَ ملازمون بحيث لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ المنسوبة إليهم المسوقة لهم حَقٌّ مَعْلُومٌ كالزكاة والصدقات الموقتة وغير الموقتة

لِلسَّائِلِ يسئل ويفشى فقره وَالْمَحْرُومِ الذي لا يسئل ولا يفشى بل من كمال صيانته وتحفظه واستغنائه يحسب من الأغنياء من كمال التعفف لذلك يحرم

وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ ويعتقدون بِيَوْمِ الدِّينِ تصديقا مقارنا لصوالح الأعمال ومحاسن الشيم والأخلاق

وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ عاجلا وآجلا مُشْفِقُونَ خائفون وجلون وكيف لا يشفقون

إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ اى من شأن المؤمن ان لا يأمن عذاب الله وان بالغ في طاعته وعبادته على وجه الإخلاص

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ لا يتجاوزون عن الحدود الإلهية

<<  <  ج: ص:  >  >>