للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفطري والفطنة الجبلية التي قد جبل الناس عليها إذا خلى وطبعه بلا تصرف من شياطين الوهم والخيال وجنود الامارة والهوى. وفقنا الله لما يحب ويرضى وجنبنا عن الميل الى البدع والأهواء

[سورة الجن]

[فاتحة سورة الجن]

لا يخفى على من تحقق بمقام القلب وسعته وكمال فسحته ووسعته ان مظاهر الحق وجنوده اكثر من ان يحيط به الآراء ويتفوه عنه ألسنة التعديد والإحصاء او يدرك نهايتها عقول العقلاء ومن جملتها جنود الجن ومن يختلط معهم ويصاحبهم من الانس ممن كان بينه وبينهم مناسبة معنوية مخصوصة توجب ائتلافهم واختلاطهم وذلك من جملة المواهب والإعطاءات الإلهية لبعض النفوس القدسية الزكية عن رذائل الطبيعة وإكدار الهيولى ولا شك ان نبينا صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهم مختلط معهم مرشد لهم هاد الى طريق التوحيد كما اوحى سبحانه اليه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة متيمنا بِسْمِ اللَّهِ الذي تجلى بمقتضى كرمه وجوده الرَّحْمنِ لعموم عباده من الثقلين حيث يدعوهم الى الايمان الرَّحِيمِ لخواصهم يوصلهم الى مرتبة اليقين والعرفان

[الآيات]

قُلْ يا أكمل الرسل لمن أنكر رسالتك على الثقلين وبعثتك إليهما قد أُوحِيَ إِلَيَّ من قبل الحق أَنَّهُ اسْتَمَعَ في بعض الأحيان التي انا تلوت فيها القرآن نَفَرٌ اى طائفة وهو يطلق على ما بين الثلاثة الى العشرة مِنَ الْجِنِّ وهو جنس من جنود الحق ومظاهره مثل جنس الملك لا مناسبة بيننا وبينهم حتى ندركهم ونعرف إنيتهم ولمّيتهم كسائر الأنواع المحسوسة من الحيوانات ومالنا الا الايمان بوجودهم ولوجود أمثالهم إذ لا يعلم جنود الحق الا هو ولا يسع لنا الإنكار سيما بعد ورود القرآن ناطقا بوجودهم وتحققهم وبعد ما سمعوا القرآن رجعوا الى أصحابهم فَقالُوا لهم إِنَّا سَمِعْنا من انسان قُرْآناً وكتابا عَجَباً بديعا نظما وأسلوبا معنى ودلالة حاويا لانواع المعارف والحقائق الإلهية محتويا على دقائق طريق التوحيد والعرفان ما هو من جنس كلام البشر بل هو خارج عن مداركهم مطلقا متعال عن مشاعرهم وعقولهم ومعظم خواصه انه

يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ والهداية الموصلة الى مقصد الوحدة الذاتية الإلهية وبالجملة فَآمَنَّا بِهِ واهتدينا بهدايته الى توحيد الحق ووحدته وَلَنْ نُشْرِكَ ابدا بِرَبِّنا الذي وفقنا وهدانا الى توحيده أَحَداً من مظاهره ومصنوعاته إذ المصنوع المربوب لا يصير شريكا للرب الصانع القديم الحكيم

وَكيف يكون للرب الواحد الأحد الفرد الصمد شريك مع أَنَّهُ تَعالى اى قد تبارك وتقدس جَدُّ رَبِّنا اى عظمته وكبرياؤه من ان يكون له شريك في ملكه وملكوته إذ هو الصمد الفرد الذي مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ألا وهو من أخص أوصافه واشرف خواصه الذاتية وكيف يتخذ له شريك في الملك ونظير في الوجود فكبره تكبيرا ونزه ذاته عما يقول الظالمون تنزيها كبيرا كثيرا

وَبعد ما آمنا بوحدة الحق وعرفناه وحيدا فريدا بلا شبيه ونظير ولا وزير ولا مشير قد عرفنا أَنَّهُ ما كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا يعنى إبليس المردود المطرود عَلَى اللَّهِ المقدس ذاته عن مطلق المماثلة والمشاكلة في الوجود والقيومية وسائر الصفات الذاتية المصححة للالوهية والربوبية الا قولا شَطَطاً باطلا بعيدا عن الحق بمراحل متجاوزا عن الحد في الإفراط تعالى شأنه عما نسب اليه المبطلون المفرطون

وَبالجملة أَنَّا قد كنا قبل انكشافنا بوحدة الحق وتحققنا بمرتبة الكشف والشهود قد

<<  <  ج: ص:  >  >>