للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الاستعجال تأديبا له وإرشادا فقال

لا تُحَرِّكْ

يا أكمل الرسل بِهِ

اى بالقرآن لِسانَكَ

حين التقاطك من حامل الوحى قبل ان يتم وحيه وإلقاءه لك لِتَعْجَلَ بِهِ

اى لتأخذ منه على عجلة خوفا من انفلات شيء منه عنك وبالجملة لا تعجل يا أكمل الرسل ولا تخف من الانفلات

إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ

في خاطرك وضميرك

وَايضا علينا بعد جمعنا قُرْآنَهُ

وقراءته على لسانك على وجهه بلا فوت شيء من اجزائه وبالجملة لا تتعب نفسك بالعجلة ولا تستعجل بالالتقاط قبل التمام وبعد ما سمعت يا أكمل الرسل فاجر عليه واذكر

فَإِذا قَرَأْناهُ

اى القرآن حين الوحى عليك بلسان حامله فَاتَّبِعْ

أنت قُرْآنَهُ

وتذكر قراءته ثم تتبع تلاوته وكرر حتى ينتقش في صحيفة خاطرك ويترسخ في ذهنك ثم اجر على لسانك مرارا كذلك

ثُمَّ ان بق لك شك وتردد في فحواه ومعناه وفي ما هو مقراه ومرماه إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ اى تبينه وتوضيحه لك وازالة ترددك وإشكالك عنه. ثم قال سبحانه

كَلَّا ردعا لرسوله صلّى الله عليه وسلم وكفا لعموم عباده عن العجلة في جميع الأمور مبالغة وتأكيدا إذ الإنسان مجبول على العجلة مطبوع عليها لذلك قد بالغ سبحانه في النهى عنه واردف بهذا النهى حب العاجل على الآجل فقال على سبيل الإضراب

بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ

وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ يعنى ان بنى آدم كلهم مجبولون على العجلة لذلك يحبون ويختارون اللذة العاجلة الدنياوية مع سرعة انقضائها وزوالها على اللذة الآجلة الاخروية مع بقائها ودوامها وعدم انقضائها أصلا ويتركون الأعمال المقتضية لها لذلك

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ اى يوم قيام الساعة ناضِرَةٌ طرية بهية مشرقة يتلالأ منها أنوار اليقين والعرفان وآثار الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية ألا وهي وجوه ارباب العناية الموفقين على صلاح الدارين وفلاح النشأتين لذلك حينئذ

إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وبمطالعة لقائه مشرفة مسرورة

وَوُجُوهٌ أخر يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ عبوسة كلوحة متغيرة مسودة بحيث

تَظُنُّ بل يجزم كل من نظر إليها أَنْ يُفْعَلَ بِها ويعرض عليها فاقِرَةٌ داهية شديدة ومصيبة عظيمة تكسر فقار ظهرها من هولها وشدتها كَلَّا اى كيف تحبون وتختارون اللذة الفانية العاجلة على الباقية الآجلة ايها المشركون المفرطون المسرفون اما تتذكرون

إِذا بَلَغَتِ النفس التَّراقِيَ اى اعالى الصدر قريب المخرج وعزمت على التوديع والخروج

وَقِيلَ

حينئذ في حقه اى قالت الملائكة الموكلون على الموت والاماتة مستفهمين فيما بينهم على سبيل المشورة مَنْ

هو راقٍ

منا قابض روحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب

وَحينئذ ظَنَّ بل قد جزم المحتضر أَنَّهُ الْفِراقُ والافتراق من الدنيا وما فيها من عموم اللذات والشهوات المحبوبة فيها

وَبعد ما جزم بفراق الأحبة الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ اى التوت ساقه بساقه من كمال ضجرته وأسفه فلا يقدر على حركتها وتحريكها وبالجملة

إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ اى السوق اليه ورجوعه نحوه وحكمه عنده وحسابه عليه وبالجملة إذا سئل الإنسان حينئذ عما امر له ونهى عنه في النشأة الاولى كيف يحسب مع انه

فَلا صَدَّقَ على من امر بتصديقه ولا قبل منه ما هو صلاحه في دينه وَلا صَلَّى وما مال الى الله في الأوقات المكتوبة المقدرة المعينة للتوجه والرجوع نحوه سبحانه

وَلكِنْ قد عكس الأمر إذ كَذَّبَ على من امر بتصديقه وَتَوَلَّى اى اعرض وانصرف عن الطاعات والعبادات المأمور بها مطلقا

ثُمَّ بعد انصرافه واعراضه عن المرشد الداعي ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ويتبختر فرحانا مسرورا مباهيا بفعله مفتخرا بشأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>