للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل له حينئذ من قبل الحق مخاطبا إياه بالويل والهلاك بسبب فعله هذا ومباهاته به

أَوْلى وأليق لَكَ وبحالك وشأنك هذا الويل والهلاك فَأَوْلى لك وبحالك الويل والهلاك

ثُمَّ أَوْلى لَكَ الويل والهلاك لذلك فَأَوْلى لك كذلك تأكيدا على ذلك وتشديدا على عذابك ووخامة حالك ومآلك ايها المسرف المفرط المباهي بالإعراض والانصراف عن الايمان والطاعات المراد منه ابو جهل عليه اللعنة. ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتهديد

أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ المصر على الكفران والطغيان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً مهملا لا يكلف ولا يحاسب بعد التكليف ولا يجازى ولا يعاقب على أفعاله مع انه انما جبل على فطرة التكليف والمعرفة وبمقتضى حسبانه هذا أنكر البعث والجزاء وخرج عن مقتضى الأوامر والنواهي الواردة عليه في نشأة الاختبار مصرا على الكفر والكفران ومن أين يتأتى له الخروج عن ربقة العبودية وأنى له الاعراض والانصراف عن مقتضى الأوامر والنواهي الموردة من لدنا

أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مهينة مرذولة حاصلة مِنْ مَنِيٍّ مهين مرذول يُمْنى وينصب في الرحم المرذول

ثُمَّ كانَ عَلَقَةً قذرة خبيثة باقية في الرحم كسائر الأقذار فَخَلَقَ اى قدر سبحانه اجزاءه وأعضاءه وعموم أركانه وجوارحه منها وبعد ما قدره وصوره فَسَوَّى اى عدله وقومه سبحانه بحوله وقوته فصار جسدا ذا حس وحركة ارادية وقواه فأقامه فَجَعَلَ وخلق بكمال قدرته ومتانة حكمته وصنعته لمصلحة التناسل والتكاثر وإبقاء النوع

مِنْهُ اى من منى الإنسان ونطفته الزَّوْجَيْنِ الصنفين الذَّكَرَ وَالْأُنْثى تتميما للحكمة البالغة المتقنة. ثم قال سبحانه موبخا مقرعا على وجه الاستبعاد عن كفران الإنسان وإصراره على انكار البعث والحشر واعادة الأموات احياء كما كانوا

أَلَيْسَ ذلِكَ القادر المقتدر الذي قدر على خلق هذه الصور المهينة الخبيثة وتبديلها الى صور عجيبة طيبة قابلة لفيضان انواع الكمالات لائقة للخلافة والنيابة الإلهية بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى مرة بعد اخرى وكرة بعد اولى مع ان الإعادة أهون من الإبداء بلى لك الإعادة والإبداء ايها القادر المقتدر على خلق الأشياء من كتم العدم كيف تشاء بل تفعل أنت ما تشاء وتحكم ما تريد لا تسأل عن فعلك انك حميد مجيد

[خاتمة سورة القيامة]

عليك ايها الموحد المتحقق بحيطة الحق وشموله واستقلاله في تصرفات ملكه وملكوته وجبروته ولاهوته ان تعتقد ان قدرته الكاملة لا يعتريها كلال ولا يعرض لها فترة ولا زوال بل له ان يظهر ويوجد بمقتضى قدرته جميع ما قد ثبت وتحقق في حضرة علمه ولوح قضائه من الصور البديعة التي لا يخطر ببالك مطلقا بل له ان يكوّن ويوجد من كل ذرة عوالم ما شاء الله وكذا له ان يدرج العوالم الغير المحصورة في كل ذرة من ذرائر الكائنات وبالجملة من وصل الى سعة قلب الإنسان وساحة صدره ظهر عنده ان المذكورات لا تمتنع ولا تستحيل من قدرته الغالبة وارادته الكاملة بل ما هو بأضعافها وآلافها فهيهات هيهات لو نظرت الى أجزاء العالم بنظرة الاستبصار بل الى دقائق نفسك ورقائق اعضائك وجوارحك ورفعت الالف والعادة عن البين لرأيت في كل شيء وفي كل ذرة من ذرائر العالم عجائب وغرائب لا تعد ولا تحصى غاية ما في الباب ان الفك قد حجبك عن هذا الإدراك وعادتك عاقتك عن رؤية البدائع الإلهية ولو تنور بصر بصيرتك ونظر سرك

<<  <  ج: ص:  >  >>