للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسريرتك بكحل العبرة والاستبصار لرأيت من عجائب قدرة الله ومن بدائع صنعه وحكمته في كل طرفة ولمحة ما بجنبه امر الحشر والنشر والإعادة والأحياء سهل يسير. حققنا بحق حقيتك وبقدر قدرتك وقيوميتك يا ذا القوة المتين

[سورة الإنسان]

[فاتحة سورة الإنسان]

لا يخفى على من انكشف بحقيقة الإنسان وكيفية تطوراته المتلونة وشئونه المترقية من الخباثة والخساسة الى انواع النجابة والكرامة حتى وصل الى رتبة الخلافة والنيابة الإلهية ان مبنى ترقيه وترفعه من حضيض الإمكان الى أوج الوجوب انما هي بالتربية الإلهية وتكريمه بمقتضى تجليه عليه بعموم أسمائه الكاملة وأوصافه الشاملة ليرشده الى وحدة ذاته ويخلقه بأخلاقه وأوصافه ولا شك ان تربية الدنى المرذول انما هي بتغيير الخصلة المذمومة وتبديل الديدنة المستهجنة الراسخة المستقرة فيه وذلك لا يتيسر الا بوضع التكاليف وتحميل المتاعب والمشاق القالعة المصفية لأقذار الطبائع وإكدار الهيولى اللازمة للقوى البشرية وايضا بتلميظ المعارف والحقائق المشوقة الى اللذات الروحانية والمكاشفات اللدنية المخلصة للنفوس الزكية عن الرسوم العادية مطلقا لذلك أشار سبحانه في هذه السورة العظيمة الشأن الى احوال الإنسان وكيفية ترقيه من شأن الى شأن الى ان وصل الى الهداية والعرفان فقال متيمنا بِسْمِ اللَّهِ المتجلى بمقتضى عموم أسمائه الحسنى وصفاته العليا في مظهر الإنسان الرَّحْمنِ عليه بأنواع التربية واصناف الإحسان حتى أوصله وهداه الى طريق الايمان والعرفان الرَّحِيمِ عليه يوصله الى مرتبة الكشف والعيان

[الآيات]

هَلْ أَتى اى قد سبق ومضى عَلَى الْإِنْسانِ المصور بصورة الرحمن حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ اى شأن محدود من الشئون الغير المحدودة الإلهية بحيث لَمْ يَكُنْ الإنسان فيه شَيْئاً إذ العدم والمعدوم ليس بشيء فكيف كان مَذْكُوراً مسمى باسم يذكر به ويشار اليه

إِنَّا خلقنا من مقام عظيم جودنا وبمقتضى كمال قدرتنا وارادتنا ووفور حكمتنا قد خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وقدرنا وجوده بعد ما أخرجناه وأظهرناه من العدم الصرف نحو فضاء البروز وحضرة العلم والأعيان الثابتة ثم صورناه بصور العناصر مِنْ نُطْفَةٍ مهينة مرذولة أَمْشاجٍ مختلطة مجتمعة من الذكر والأنثى وبعد ما قد صورناه هيكلا سويا قابلا واودعنا فيه من روحنا ما اودعنا وسميناه إنسانا مصورا بصورتنا نَبْتَلِيهِ نختبره ونجربه هل يتفطن الى موجده ومظهره أم لا وكيف لا نختبره فَجَعَلْناهُ يعنى انما خلقناه وصيرناه لحكمة الاختبار ومصلحة الاعتبار سَمِيعاً متمكنا قادرا على استماع آياتنا الدالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا بَصِيراً مقتدرا على مشاهدة بدائع صنعنا وغرائب صنعتنا وعجائب حكمتنا ليكون معتبرا منها متوجها الى فاعلها ومع إعطائه تلك الكرامات العظيمة

إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ يعنى قد اودعنا فيه العقل الفطري الجزئى المنشعب من العقل الكلى الذي هو حضرة علمنا المحيط بكل ما لمع عليه برق الوجود وبواسطته هديناه إلينا سبيلا بان أرسلنا الرسل المنبهين عليه الموقظين له من نعاس النسيان العارض له من حصة ناسوته المشيرين له الى ما اودعنا فيه من الوديعة البديعة وأيدنا الرسل بالكتب والآيات النازلة من لدنا الدالة على صدقهم في الرسالة وبالبينات الواضحات لسلوك طريق توحيدنا وسبيل شهودنا وتفريدنا وبعد ما وضح الحق واتضح السبيل على وجه الأبلغ الأكمل فله الاختيار

<<  <  ج: ص:  >  >>