للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِمَّا شاكِراً اى اما ان يكون شاكرا شكورا مشغولا بشكر النعم مواظبا على أداء حقوق الكرم صارفا عنان عزمه الى صوب الهداية والرشد حتى يكون من ارباب العناية والسداد المتنعمين في روضة الرضا وجنة التسليم وَإِمَّا كَفُوراً للنعم كافرا لمنعمها مقتفيا اثر اصحاب الغفلة والعناد واللدد والفساد حتى يكون من زمرة اصحاب الجحيم فهما عندنا سيان غاية الأمر

إِنَّا حسب قهرنا وجلالنا قد أَعْتَدْنا وهيأنا لِلْكافِرِينَ الساترين بغيوم هوياتهم الباطلة شمس الحق الحقيقية المشرقة الظاهرة على صفائح ذرائر الكائنات لذلك خرجوا عن ربقة الرقية وعروة العبودية وانصرفوا عن مقتضيات حدوده الموضوعة بين عباده سَلاسِلَ اى سلاسل الحرص وطول الأمل يقادون ويسحبون بها نحو نيران الإمكان وجحيم الطرد والحرمان بأنواع الخيبة والخسران وَأَغْلالًا يعنى أغلال الأماني والشهوات يغلّون ويقيدون بها طول دهرهم بأنواع الصغار والهوان وَسَعِيراً مسعرا مملوا بنيران الافتقار والاحتياج المترتبة على الأماني والآمال الغير المنقطعة يطرحون فيها ابدا ويعذبون بها خالدا مخلدا ثم اردف سبحانه وعيد الكفرة بوعد المؤمنين على مقتضى سنته المستمرة في كتابه فقال

إِنَّ الْأَبْرارَ الأخيار البارين المبرورين ذوى الأيدي والأبصار المستغرقين في بحار المعارف والأسرار يَشْرَبُونَ لدى الملك الغفار خمور الشهود ورحيق الاعتبار مِنْ كَأْسٍ من كؤس ذرائر العالم المستعار لذلك كانَ مِزاجُها اى ما يمزج بها ويخلط كافُوراً هو عبارة عن برد اليقين يعنى

عَيْناً معينا معينا هي ينبوع بحر الوجود يَشْرَبُ بِها ومنها عِبادُ اللَّهِ الواصلون الى عالم اللاهوت الفانون عن فنائهم في فضاء الجبروت الباقون ببقاء حضرة الرحموت لذلك يُفَجِّرُونَها ويجرونها تَفْجِيراً واجراء حيث شاءوا وصاروا من كمال وصولهم واتصالهم

يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ويوفرون على المنذور وَكيف لا يوفون ولا يوفرون أولئك السعداء الموفون الموفرون مع انهم هم يَخافُونَ يَوْماً وأى يوم يوما قد كانَ شَرُّهُ اى شدائده وأهواله مُسْتَطِيراً منتشرا مستفيضا شائعا بين عموم العباد

وَمن كمال استغراقهم بمطالعة الوجه الكريم يُطْعِمُونَ الطَّعامَ اى الرزق الصوري والمعنوي المسوق لهم من عنده سبحانه تقوية لهم وتقويما لأمزجتهم عَلى حُبِّهِ اى طلبا لمرضاته سبحانه مِسْكِيناً قد اسكنه الفقر وأزعجته المذلة اى المعاودة للسؤال وَيَتِيماً أدركه الذل وأحوجه الى الافتقار وَأَسِيراً اذله الرق والصغار والهوان وأفقره الى الرعاية والترحم. عن ابن عباس رضى الله عنهما ان الحسن والحسين سلام الله وصلواته على جدهما ووالديهما وعليهما مرضا مرضا هائلا مخوفا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ناس فقالوا لعلى يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر على وفاطمة على النبي وعليهما وابنيهما الصلاة والسلام وفضة جارية لفاطمة رضى لله عنهما صوم ثلاثة ايام ان برئا فلما برئا صاموا وما معهم شيء فاستقرض على رضى الله عنه من شمعون الخيبرى ثلاثة أصوع من الشعير فطحنت فاطمة رضى الله عنها صاعا وخبزت خمسة اقراص على عدد رؤسهم فوضعوا بين يديهم ليفطروا فجاء على الباب مسكين فأعطوا له وآثروه على أنفسهم وباتوا فلم يذوقوا الا الماء وأصبحوا صياما فلما امسوا فعلوا ايضا كذلك فألم عليهم يتيم فآثروه كذلك فأصبحوا صياما ففعلوا اليوم الثالث مثل ذلك فجاء أسير فأعطوه فباتوا بلا طعام فنزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية فقال هناك الله في اهل بيتك يا نبي الله. ثم لما اضمروا في نفوسهم ونجواهم حين صدور هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>