للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسْجُدْ لَهُ وتوجه نحوه توجها خالصا مقرونا بكمال الخضوع والخشوع والتذلل التام وَسَبِّحْهُ اى نزه ذاته عن جميع ما لا يليق بشأنه لَيْلًا اى في خلاله وآنائه تسبيحا طَوِيلًا خاليا عن مطلق الشواغل فارغ البال عن تشتت الآمال هكذا آداب اصحاب المآل وديدنة ارباب الوجد والحال

إِنَّ هؤُلاءِ اى اصحاب الضلال المنحرفين عن جادة الاعتدال يُحِبُّونَ اللذة الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ اى يتركون امامهم وخلفهم بلا مبالاة منهم يَوْماً ثَقِيلًا شديدا يشتد الأمر فيه عليهم ويصعب ومع ذلك ينكرونه ويكذبونه وكيف يذرونه وينكرونه مع انا نخبر به ونأمر بتصديقه وكيف لا نأمرهم إذ

نَحْنُ بمقتضى قدرتنا قد خَلَقْناهُمْ وقدرنا وجودهم أولا من أهون الأشياء وأخسها واخبثها وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ اى قد عدلنا اركانهم وجوارحهم وأحكمنا مفاصلهم واوصالهم وبالجملة قد سويناهم اشخاصا قابلين للتكليف ليترتب عليه الايمان والتصديق بعموم المعتقدات اللدنية وَبعد ما لم يؤمنوا ولم يصدقوا عنادا ومكابرة إِذا شِئْنا وتعلقت مشيتنا على إهلاكهم واستئصالهم أهلكناهم واستأصلناهم وبَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ في الخلقة وجميع لوازمها تَبْدِيلًا حسنا بحيث يكون المبدل خيرا واحسن وأكمل من المبدل منه وبالجملة

إِنَّ هذِهِ الآية الدالة على تهذيب الأخلاق والأطوار تَذْكِرَةٌ ناشئة من قبل الحق فَمَنْ شاءَ ان يتعظ بها ويتذكر بما فيها اتَّخَذَ أولا إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا يعنى شرع أولا في مسالك القرب والوصول الى الله فتقرب نحوه بالمعاملات ثم بالأحوال والمقامات وبالجملة ليس وراء الله مرمى ومنتهى

وَلكن ما تَشاؤُنَ اى المتقربون الى الله السائرون نحوه حسب التوفيق والتيسير الإلهي إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ الموفق لهم الموجد المقدر لعموم أفعالهم وأعمالهم المنجى لهم عن غياهب الإمكان وظلمات الخيالات والأوهام

إِنَّ اللَّهَ المطلع على استعدادات عباده كانَ عَلِيماً بقابلياتهم اللائقة لفيضان الكشف والشهود حَكِيماً في تربيتهم وتكميلهم

يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ بهدايته ولطفه فِي رَحْمَتِهِ التي هي سعة وحدته وَلكن الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية المحرومين عن نظر العناية والتوفيق مطلقا قد أَعَدَّ لَهُمْ سبحانه عَذاباً أَلِيماً لا عذاب أشد منه ايلاما وأفزع انتقاما ألا وهو حرمانهم عن ساحة عز القبول. نعوذ بك منك يا ذا القوة المتين

[خاتمة سورة الإنسان]

عليك ايها المريد المتوحد بمشية الله وتيسيره وفقك الله على ما املك واعانك على انجاحه ان تفرغ همك وتخلى قلبك عن الالتفات الى الدنيا معرضا عن آمالها وأمانيها متوجها الى الآخرة وما فيها متعرضا لنفحات الحق مستنشقا من روائح روحه ورحمته راجيا من سعة لطفه وجوده ان ييسرك ويوفقك في عموم أوقاتك وحالاتك على ما هو خير لك في أولاك وأخراك ويدفع عنك شرور بشريتك ومقتضيات بهيميتك وقواك وبالجملة فاتخذه سبحانه وكيلا وثق اليه واجعله حسيبا وكفيلا وتوكل عليه إذ هو اعلم بما ينبغي لك منك وبما يليق بحالك فلك التفويض والتكلان والأمر بيد الله الحكيم المستعان

<<  <  ج: ص:  >  >>