للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة المرسلات]

[فاتحة سورة المرسلات]

لا يخفى على من انكشف بوحدة الحق وانجذب نحو مرتبة الكشف والشهود والانجلاء التام المسقط لعموم الاعتبارات والاعتباريات ان الركون اليه سبحانه والانجذاب نحوه انما يحصل بجذبات الهية ونفحات غيبية ونسمات روحانية روحية هابة من نفسات الرحمن ناشئة منتشئة من قبل يمن عالم اللاهوت وحضرة الرحموت ولا شك ان الجذبات الإلهية متفاوتة بتفاوت الاستعدادات والقابليات المترتبة المتفرعة على تربية الأسماء والصفات الإلهية المتفاوتة في أنفسها حسب الشئون الكمالية والتطورات الذاتية الناشئة من التجليات الحبية فمنهم من جذبته العناية وأدركته النفحات والنسمات اللاهوتية كالبرق الخاطف فعصفن ونزعن عنهم ملابس الإمكان بالكلمة واخرجنهم عن سجن الطبيعة والهيولى على الفور بلا تراخ ومهلة ومنهم من نشرت عليهم هينات لينات بحيث يستروحون من هبوبها ويستريحون فيها حتى تترسخ في نفوسهم آثارها فيتدرجون إليها ويتحنون نحوها متشوقين فيتطرقون أثرها حتى يصلوا الى ما وصلوا بل اتصلوا ومنهم من يهببن عليهم ويفرقن في نفوسهم بين الحق والباطل والهداية والضلال على سبيل التدريج فيوقعن بينهم الفتن والبليات وانواع التجارب والاختبارات حتى يتفطن البعض منهم ويتنبه فيكون من اصحاب الجنة والبعض الآخر لا يتفطن ولا يتنبه فيكون من اصحاب النار ومنهم من يلقين لهم بعد هبوبهن عليهم ذكرا فقط حسب فطرتهم الاصلية التي هم فطروا عليها ناشئا من عالم اللاهوت مجردا عن الفكر والفطنة فكيف عن التحنن والشوق فكيف عن السيران والطيران فالاولى اشارة الى طريق الشطار الطائرين الى الله بعد ادراك الجذبة الاحدية كالبرق الخاطف بلا توقف وتأخر والثانية الى طريق الأبرار وارباب المواجيد والواردات الغيبة وذوى الأذواق الصافية المنجذبين نحو الحق من طريق السلوك والمجاهدة والثالثة الى طريق الأخيار واصحاب المعاملات والاستدلالات المتوجهين نحو الحق من طريق التدين والتخلق بالأخلاق الفاضلة والمعاملات الصالحة والرابعة الى طريق العوام القانعين بالذكر والتكرار بلا وجدان وفطنة وذوق ومعرفة لذلك قال سبحانه في شأن العوام أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا.

ثم لما أراد سبحانه ان يشير الى هذه الاربعة المذكورة اقسم بحوامل وحيه ونفسات رحمته الفائضة منه سبحانه على عموم عباده على الدوام ليستمدوا منه ويتطرقوا نحوه متذكرين لمبدئهم ومعادهم حسب استعداداتهم الفطرية وقابلياتهم الجبلية فقال بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ المظهر لعموم مظاهره بامتداد اظلاله المترتبة على أوصافه الذاتية وأسمائه الحسنى الرَّحْمنِ عليهم بافاضة نسمات روحه ونفسات رحمته الرَّحِيمِ عليهم يوصلهم الى فضاء وحدته بإرسال شمائم روحه وراحته

[الآيات]

وَحق الْمُرْسَلاتِ اى رياح الجذبات الهابة من قبل يمن عالم اللاهوت المنتشئة من حضرة الرحموت لاسترواح أرواح سكان عالم الناسوت وأشباحهم عُرْفاً لأجل اظهار التعارف والائتلاف الواقع بينهم بحسب الحقيقة والوحدة

فَالْعاصِفاتِ النازعات ملابس عالم الناسوت واكسية الإمكان عن أرواح المحبين المجذوبين المنجذبين نحو الحق بالهمم العالية عَصْفاً سريعا شديدا تخليصا لهم عن سجن الطبيعة تفريحا وترويحا

وَالنَّاشِراتِ المنتشرات على أراضي استعدادات ارباب الطلب والإرادات المتوجهين نحو الحق بالعزيمة الخالصة نَشْراً لينا هينا بحيث توقظهم عن سنة الغفلة ونعاس النسيان وتخلصهم عن مضيق الضلال وترشدهم الى فضاء

<<  <  ج: ص:  >  >>