للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذا قد بَنَيْنا بكمال قدرتنا ومتانة حكمتنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً طباقا شِداداً أقوياء محكمات مستحكمات لا يتأثرن بمر الدهور وكر الأعصار كسائر الابنية

وَجَعَلْنا في خلالها سِراجاً مضيئا متلألأ متشعشعا وَهَّاجاً حارا سخينا في غاية السخونة عند الانعكاس لتنضيج ما تحتاجون اليه في امور معاشكم

وَأَنْزَلْنا ايضا تتميما لتربيتكم وتربية معيشتكم مِنَ السحب الْمُعْصِراتِ بالرياح ماءً ثَجَّاجاً مطرا كثير الانصباب متتالى القطر

لِنُخْرِجَ بِهِ اى بالماء الماطر حَبًّا تقتاتون به وَنَباتاً تعتلف بها مواشيكم

وَجَنَّاتٍ متنزهات لكم وبساتين أَلْفافاً أشجارها وثمارها من كثرتها وكثافتها كل ذلك من المقدورات التي يتفطن منها العاقل المنصف على وقوع الحشر والنشر من الأمور الغيبة الموعودة في يوم الجزاء بل جميع المقدورات الداخلة تحت قبضة القدرة الإلهية إذ نسبة القدرة الكاملة الإلهية الى هذه المقدورات وأمثالها بل الى اضعافها وآلافها وكذا الى الأمور الموعودة فيها على السواء والارادة الكاملة الإلهية ترجح كلا منها عند حلول ما قدر الله له من الوقت والأجل وبالجملة من ترقى إدراكه عن مضيق الالف وخرق حجب الرسوم والعادات وخلص عن ظلمات الأوهام والخيالات العائقة عن الوصول الى وحدة الذات التي هي منبع عموم الخيرات ومنشأ جميع الكمالات قد انكشف له ولاح عنده ان امرى النشأة الاولى والاخرى وأمثالهما بل اضعافهما وآلافهما في جنب القدرة الغالبة الإلهية سهل يسير لكن المحجوب المحبوس في عالم المحسوس المقيد بعقال العقل المبهوت المشوب بالوهم المنحوس والخيال المزور المنكوس قد يتخيل حصر المظاهر والمجالى الإلهية بما لمع له من سراب عالم الطبيعة والهيولى لذلك وقع فيما وقع من البلوى وزلت قدمه في سبيل القرب من المولى. هب لنا من لدنك رحمة تنجينا عن أمثال هذه المهالك انك أنت الوهاب. ثم قال سبحانه

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ الفارق بين اصحاب الحيرة والضلال وارباب العناية والوصال قد كانَ له مِيقاتاً وقتا معينا في حضرة علم الله مقدرا في لوح قضائه لم يطلع أحدا عليه وعلى تعيينه بل أخبرهم باماراته وعلاماته اذكر يا أكمل الرسل

يَوْمَ اى يوم إذ حل فيه وقت الفصل وقيام الساعة وحينئذ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ النفخة الاولى لبعث الموتى وإذا وصل لهم ذلك النداء والصداء فيخرجون من قبورهم حيارى وسكارى مبهوتين ثم ينفخ فيه ثانيا للحشر فَتَأْتُونَ المحشر أَفْواجاً فرقا فرقا وزمرا زمرا

وَفُتِحَتِ السَّماءُ اى قد خرقت وشقت يومئذ فَكانَتْ الخرق والشقوق لها أَبْواباً

وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ اى قلعت عن وجه الأرض وتحركت فطارت اجزاؤها كالهباء نحو الهواء

فَكانَتْ أشكالها وهيآتها سَراباً اى كالسراب يلمع ويرى على صورة الجبال ولا حقيقة لها كما هي الآن كذلك عند العارف المكاشف بحقيقتها وبالجملة

إِنَّ جَهَنَّمَ يومئذ قد كانَتْ مِرْصاداً مرصدا ومعبرا لعموم العباد يعبر منها اهل الجنة على تفاوت طبقاتهم سرعة وبطأ مترتبين على تفاوت أعمالهم وأحوالهم ومواجيدهم ومقاماتهم ومنهم من لا يلتفت نحوها ولا يدركها اين هي وان عبرها ومنهم من يعبرها كالبرق الخاطف ثم الأمثل فالأمثل فينجون من غوائلها ويسقط فيها اهل النار ويغلون باغلالها وسلاسلها فتصير

لِلطَّاغِينَ المصرين على طغيانهم وكفرهم مَآباً مرجعا ومأوى لا يخرجون منها أصلا بل يكونون

لابِثِينَ ماكثين فِيها أَحْقاباً وأى احقاب أحقابا لا كاحقاب الدنيا بل لا نهاية لها ولا غاية لحدها فذكرها كناية عن عدم التناهى وهم

لا يَذُوقُونَ فِيها في جهنم

<<  <  ج: ص:  >  >>