للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ان طريان هذه الخصال المذمومة انما نشأ من متابعة الهوى والركون الى مزخرفات الدنيا ومن جملتها البخس والتطفيف في المكاييل والموازين الموضوعة لحفظ الاعتدال ومراعات الاتصاف والانتصاف بين المسلمين من عدل عنها مفرطا فقد استحق الويل الأبدي والهلاك السرمدي كما قال سبحانه متيمنا بِسْمِ اللَّهِ المستوي على صراط العدالة والتقويم الرَّحْمنِ لعموم عباده بوضع القسطاس القويم الرَّحِيمِ لخواصهم يهديهم الى صراط مستقيم

[الآيات]

وَيْلٌ عظيم وعذاب اليم لِلْمُطَفِّفِينَ

الَّذِينَ ينقصون المكيال والميزان ويبخسون حقوق الناس سماهم سبحانه مطففين لأنهم يسرقون من الحقوق طفيفا اى قليلا حقيرا على وجه الدنائة والخساسة وهو من اخس الأفعال الذميمة وأدناها واخبثها. وفي الحديث صلوات الله وسلامه على قائله خمس بخمس ما نقض العهد قوم الا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما انزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل الا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة الا حبس عنهم القطر والمطففون هم الذين إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ اى أخذوا منهم لأنفسهم يَسْتَوْفُونَ الكيل ويزيدون على المكيال قليلا قليلا ترجيحا لأنفسهم عليهم

وَإِذا كالُوهُمْ اى للناس أَوْ وَزَنُوهُمْ لأجلهم يُخْسِرُونَ ينقصون منه قليلا قليلا ترجيحا لغبطتهم عليهم مع ان وضع الكيل والوزن انما هو للتسوية والتعديل. ثم قال سبحانه على سبيل التعجب والتشنيع

أَلا يَظُنُّ ولا يزعم ولا يشك أُولئِكَ المسرفون المفرطون بارتكاب هذه الخصلة الذميمة مع ان المناسب لهم ان يجزموا ويستيقنوا أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ

لِيَوْمٍ عَظِيمٍ لعظم ما فيه من الشدائد والأهوال وانواع الافزاع والأحزان سيما على اهل العصيان والفساد إذ هم يومئذ يفتضحون على رؤس الاشهاد

يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ بأجمعهم لأجل العرض لِرَبِّ الْعالَمِينَ ليحكم عليهم سبحانه بمقتضى السؤال والحساب اما بالجنة او بالنار. ثم قال سبحانه

كَلَّا ردعا للمطففين بفجورهم وخروجهم عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة فيما بينهم بالقسط والعدالة يعنى كيف يخرجون عن مقتضاها إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ اى ما ثبت فيه من تفاصيل أعمالهم وأفعالهم وأخلاقهم وأطوارهم المذمومة كلها مضبوطة فيه محكوم عليهم من قبل الحق حينئذ بمقتضى ما ثبت في كتبهم وصحائف أعمالهم انهم لَفِي سِجِّينٍ اى مقرهم في الدرك الأسفل من النار ثم أبهمه سبحانه تهويلا وتفخيما فقال

وَما أَدْراكَ ايها المسرف المفرط ما سِجِّينٌ ما لم تقع فيه ولم تذق من عذابه ونكاله وبالجملة كتاب الفجار

كِتابٌ وأى كتاب كتاب مَرْقُومٌ محرر مسطور بين الرقوم والرسوم يعرفه من نظر اليه ان لا خير فيه ولا نفع في ضمنه بل انما هو في بادى الرأى مشعر بأنواع العذاب والعقاب وبالجملة

وَيْلٌ عظيم يَوْمَئِذٍ اى يوم اعطى ذلك الكتاب لِلْمُكَذِّبِينَ له في النشأة الاولى وبواسطة تكذيبهم وانكارهم به يرتكبون من الجرائم والمعاصي ما لا يعد ولا يحصى وبالجملة هؤلاء المسرفون المفرطون

الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ والجزاء وبجميع الأمور الاخروية من السؤال والحساب وإعطاء الكتب وسائر المعتقدات الاخروية

وَبالجملة ما يُكَذِّبُ بِهِ سيما بعد نزول الآيات القاطعة والبراهين الساطعة الدالة على وقوع يوم القيامة والطامة الكبرى الموعودة من قبل الحق بالحق على اهل الحق إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ متجاوز عن الحد في الإفراط والغلو منكر لكمال قدرة الله واحاطة علمه حتى أنكر القدرة على الإعادة مع ان الإبداء الابداعى

<<  <  ج: ص:  >  >>