للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الله فأمره بمقتضى علمه وحكمته حسب ارادته ومشيته فقال بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ الى ذاته عن احلام الأنام وافهام الخواص والعوام الرَّحْمنِ لعموم عباده يدعوهم الى دار السلام الرَّحِيمِ لخواصهم يهديهم الى ارفع المكانة وأعلى المقام

[الآيات]

سَبِّحِ لله يا من غرق في تيار البحر الزخار للوجود وتلاشى في لمعات شمس الشهود اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وان لم يبق لك التوسل بمطلق الأسماء بعد ما فنيت في المسمى ثم تذكر بمقتضى حصة عبوديتك نعمه الواصلة إليك بعد ان فزت بحلل البقاء استحضارا وتذكيرا لما جرى عليك من الشئون والأطوار في نشأة ناسوتك إذ هو سبحانه القادر المقتدر

الَّذِي خَلَقَ وأوجد عموم ما خلق واظهر فَسَوَّى خلق الكل بحوله وقوته واختياره مع ما يتعلق به ويترتب عليه في معايشه ومعاده

وَهو الحكيم العليم القدير الَّذِي قَدَّرَ المقادير ودبر التدابير واحسن التصاوير وأودع فيها ما أودع من الاستعدادات والقابليات الجالبة لانواع الكمالات وبعد ما هيأها وعدلها فَهَدى اى هدى الكل الى ما جبلوا لأجله بوضع التكاليف المشتملة على الأوامر والنواهي والاحكام الواجبة والمندوبة والأخلاق المرضية والآداب السنية ليتمرنوا على الأمور المذكورة ويترسخوا فيها بالعزيمة الخالصة والجزم التام حتى يستعدوا لان تفيض عليهم طلائع سلطان الوحدة الذاتية المنقذة لهم عن ورطة الناسوت الموصلة لهم الى فضاء اللاهوت

وَهو سبحانه القادر المقتدر الَّذِي أَخْرَجَ بكمال قدرته واثبت واظهر الْمَرْعى الحاصل في مرتع الدنيا باجناسها وأصنافها تتميما لتربية دواب الطبائع وحوامل الأركان القابلة لتأثيرات عالم الأسماء والصفات ليتقوموا بها ويستعدوا لفيضان المعارف والحقائق وانواع الكمالات اللائقة التي هم جبلوا لأجلها وبعد ما حصل من الكمالات المنتظرة في نشأة الناسوت

فَجَعَلَهُ سبحانه مرعى العالم مع كمال نضارتها وبهائها في نظر شهود اولى الألباب الناظرين بنور الله من وراء سدول الأسماء والصفات غُثاءً يابسا بل سرابا باطلا عاطلا وبعد ما تحققوا بمقر التوحيد ورفعوا وسائل الأوصاف والأسماء من البين فصار الكل حينئذ هباء أَحْوى بل عدما لا يبقى اسود موحشا بعد ما كان اخضر مفرحا ثم التفت سبحانه نحو حبيبه صلى الله عليه وسلم على سبيل التفضل والامتنان فقال على طريق الوصاية والتذكير

سَنُقْرِئُكَ ونجعلك قارئا يا أكمل الرسل مراقبا على وجوه الوحى والإلهام النازل من لدنا عليك مع انك أمي لم يعهد من مثلك أمثالها فَلا تَنْسى يعنى عليك ان تضبط هذه النعمة وتحفظها على وجهها وتواظب على أداء شكرها بلا فوت شيء منها بزيادة عليها او تحريف فيها

إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ العليم الحكيم نسيانه منك بان نسخ تلاوته او حكمه او كلاهما على مقتضى حكمته المتقنة ومصلحة عباده المستحكمة وبعد ما سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت فدم عليها ولا تغفل عنها سرا وجهرا حالا ومقالا إِنَّهُ سبحانه يَعْلَمُ منك الْجَهْرَ وَما يَخْفى يعنى ظاهرك وباطنك اى يعلم سبحانه منك جميع ما امتثلت بظاهرك من مقتضيات الوحى والإلهام وبباطنك من الإخلاص في النيات والحالات والخلوص في العزائم والمقامات

وَاعلم يا أكمل الرسل انا بمقتضى عظيم جودنا معك مراقبون لك في عموم شئونك واطوارك نُيَسِّرُكَ ونوفقك على التدين والتحفظ بمقتضيات الوحى لِلْيُسْرى اى الطريقة والشريعة السهلة السمحة البيضاء وبعد ما يسرنا لك وسهلنا عليك طريق الهداية والإرشاد

فَذَكِّرْ بالقرآن وبين الاحكام الموردة فيه للناس إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى اى سواء نفعت عظتك وتذكيرك إياهم او لم تنفع

<<  <  ج: ص:  >  >>