للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينكرون ويستبعدون أولئك البعداء المنكرون المفرطون قدرة الله القادر الحكيم على أمثال هذه المقدورات فَلا يَنْظُرُونَ بنظر التأمل والاعتبار إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ على الهيكل الغريب والشكل العجيب تحمل كثيرا وتأكل قليلا وتصير منقادة لكل احد حتى النسوان والصبيان مع عظم جسمها وكمال قوتها وقدرتها وتتحمل على الجوع والعطش مدة وتتأثر من المودة والغرام وتسكر منها الى حيث تنقطع عن الأكل والشرب زمانا ممتدا وايضا قد تتأثر من الأصوات الحسنة والحدى وتصير من كمال التأثر الى حيث تهلك نفسها من سرعة الجري ويجرى الدمع من عينيها عشقا وغراما وشوقا اواما وبالجملة قد ظهر منها حين حدى عليها وصوت لها بأصوات حسنة ونغمات مستحسنة عجائب كثيرة يتفطن بها اهل العبر والاستبصار

وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ بلا عمد وأسانيد منثورة عليها الكواكب التي لا ندرك حقائقها وأوصافها وأشكالها وطبائعها ومالنا منها الا الحيرة والنظرة على وجه العبرة

وَكذا إِلَى الْجِبالِ الرواسي كَيْفَ نُصِبَتْ على وجه الأرض مشتملة على معادن ومياه وآجام

وَإِلَى الْأَرْضِ التي هي مقر انواع الحيوانات واصناف المعادن وانواع النباتات كَيْفَ سُطِحَتْ مهدت وبسطت ومع وضوح صدور أمثال هذه المقدورات العظيمة الشأن من الحكيم الحنان المنان ذي الطول والإحسان ينكرون قدرته سبحانه على المقدورات الاخر الاخروية فالعجب كل العجب ممن شهد وشاهد آثار القدرة الغالبة الإلهية في الأنفس والآفاق فتردد في المقدورات الاخروية وأنكر عليها ظلما وعدوانا وما ذلك الإنكار والإصرار الا من ظلمات الالف والعادات المترتبة على شياطين الأوهام والخيالات الباطلة الطارئة على اهل الغفلة والضلالة المسجونين في سجن الإمكان بأنواع الخيبة والخسران والا فظهور آثار القدرة الغالبة الإلهية أجل وأعلى من ان تتردد فيه الآراء وتنكر عليه الأهواء وبالجملة من لم يجعل الله له نورا فما له من نور وبعد ما سمعت ما سمعت من مقتضيات القدرة الغالبة الإلهية

فَذَكِّرْ يا أكمل الرسل بالقرآن حسب ما أمرت به وألهمت إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ مبلغ فلا بأس عليك ان لم ينظروا ولم يعتبروا بل ما عليك الا البلاغ فلا تقصر في تبليغك إذ

لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ مسلط ملزم مكره للقبول البتة

إِلَّا مَنْ تَوَلَّى يعنى لكن من اعرض وبغى بعد تذكيرك وتبليغك وَكَفَرَ وطغى بما سمع منك واستهزأ معك وكذبك

فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ العزيز الحكيم المقتدر على وجوه الانتقام الْعَذابَ الْأَكْبَرَ الذي لا عذاب أعظم منه وأشد ألا وهو حرمانهم عن رتبة الخلافة وخلودهم في نار القطيعة بأنواع الخذلان والخسران وبالجملة بلغ يا أكمل الرسل جميع ما انزل إليك على كافة البرية ولا تبال باعراضهم وتكذيبهم

إِنَّ إِلَيْنا لا الى غيرنا من الوسائل والأسباب العادية إِيابَهُمْ ورجوعهم كما ان منا مبدأهم وصدورهم

ثُمَّ بعد ما رجعوا إلينا صاغرين إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ على أعمالهم التي صدرت عنهم في نشأة الاختبار جزيناهم احسن الجزاء ان كانوا من اصحاب اليمين وعذبناهم بأنواع العذاب والنكال ان كانوا من اصحاب الشمال. ربنا يسر حسابك علينا وادفع عذابك عنا انك أنت الرءوف الرحيم

[خاتمة سورة الغاشية]

عليك ايها المحمدي المتوجه نحو الحق الحقيق بالتوجه والرجوع ان ترجع الى الله قبل حلول الأجل المقدر للقيامة الصغرى والطامة الكبرى وتفوض أمورك كلها اليه سبحانه بالإرادة والرضا وتنتزع عن

<<  <  ج: ص:  >  >>