للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموجب للجزم واليقين كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ يعنى كيف أهلك عادا

إِرَمَ اسم لبنائهم وبلدتهم ذاتِ الْعِمادِ اى الأساطين الطوال شديدة الأساس رفيعة السمك عريضة الجدار

الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ ولم يوجد مِثْلُها اى مثل بنائهم وبلدتهم فِي الْبِلادِ في الاحكام والرفعة وانواع النزاهة واللطافة وهم قد كانوا اكثر الناس أعمارا واولادا وأموالا وأتمهم جاها وثروة بأضعاف هؤلاء المسرفين المفسدين فاهلكهم سبحانه واستأصلهم بالمرة بعد ما افرطوا في أطوارهم الخارجة عن حد الاعتدال

وَثَمُودَ يعنى كيف فعل ربك مع ثمود المردود ايضا ما فعل من الهلاك والإهلاك مع انهم هم البطرون المفرطون الَّذِينَ جابُوا قطعوا ونقبوا الصَّخْرَ اى صخور الجبال بِالْوادِ اى بواد القرى واتخذوا فيها بلادا حصينة منيعة من شدة قدرتهم وقوتهم ومع ذلك قد اهلكهم سبحانه

وَكيف فعل مع فِرْعَوْنَ الطاغي الباغي ذِي الْأَوْتادِ اى ذي العسكر الكثير المشتمل على المضارب والخيام المشتملة على الأوتاد والاطناب وهؤلاء المذكورون هم

الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ وقد استكبروا على ضعفاء العباد اتكالا واتكاء على ما عندهم من المال والجاه والثروة والسيادة

فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ والإفساد

فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ اى نوعا من العذاب كأنه يصب عليهم ويمطر كالماء من السحاب وهو كناية عن ترادف موجبات الهلاك وتتابعها وبالجملة قد اهلكهم الله جميعا باشد العذاب وأفظعه. ثم قال سبحانه مخاطبا لحبيبه صلى الله عليه وسلم منبها له على كمال قدرته على الانتقام من عصاة عباده

إِنَّ رَبَّكَ الذي رباك يا أكمل الرسل على كمال المعرفة واليقين لَبِالْمِرْصادِ اى مراقب محافظ لطرق عباده يرقبهم سبحانه كيف يسلكون نحوه هل هم في سبيل الضلال والفساد او في طريق الهداية والرشاد مع ان الكل مجبولون على فطرة التوحيد لكن الحكمة الإلهية تقتضي الابتلاء والاختبار

فَأَمَّا الْإِنْسانُ المذبذب بين الإحسان والكفران إِذا مَا ابْتَلاهُ اختبره وجربه رَبُّهُ بالغنى واليسر فَأَكْرَمَهُ بالجاه والثروة وَنَعَّمَهُ بالأموال والأولاد فَيَقُولُ شكرا لما وصل اليه من النعم ومقتضيات الكرم رَبِّي أَكْرَمَنِ وتفضل على بما أعطاني من الخير والحسنى

وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ ربه بالفقر والعسر فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ وقصر على قدر كفايته وحاجته وقوت يومه بحيث لم يزد على مؤنة معاشه فَيَقُولُ مشتكيا الى الله باثا شكواه عنده سبحانه رَبِّي أَهانَنِ وأذلني حيث لم يعط لي ما اعطى وأنعم لفلان وفلان تفضلا وإحسانا مع ان الفقر خير له من الغنى إذ الفقر لو اقترن بالتسليم والرضا لأدى صاحبه الى جنة المأوى وملك لا يبلى والغناء لو لم يقترن بالشكر والانفاق والإحسان لأدى صاحبه الى دركات الجحيم واودية النيران. ثم قال سبحانه

كَلَّا ردعا له عن هذا الاعتقاد بان الكرامة باليسرى والتوسعة والاهانة بالفقد والفقر بَلْ الكرامة بالإنفاق والإطعام لفقراء الله طلبا لمرضاته وأنتم ايها الأغنياء الممسكون لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ولا تتفقدونه بالنفقة والكسوة

وَلا تَحَاضُّونَ اى لا تأمرون غيركم ايضا عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ او إطعامه

وَمع ذلك الشح والبخل أنتم ايها الأغنياء تَأْكُلُونَ التُّراثَ اى ميراث الأيتام التي هي اخطر المحظورات وأخسها واخبثها أَكْلًا لَمًّا اى اكلا على سبيل الجمع بين سهامكم وسهام الأيتام بان تأخذوا وتخزنوا أموالهم لتحفظوا حالهم وتزيدوها لأجلهم فتأكلوا منها ومن نمائها دائما

وَما سبب ذلك الا انكم تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا كثيرا مع حرص

<<  <  ج: ص:  >  >>