للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شديد وامل كامل ولا تطعمون الفقراء والمساكين خوفا من نفاده. ثم قال سبحانه

كَلَّا ردعا لهم عما هم عليه من حب المال والخلط بين الحلال والحرام يعنى كيف تؤدون ايها البخلاء الممسكون حسابها وقت إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ اى كسرت واستوت فصارت دَكًّا دَكًّا وهباء منبثا

وَجاءَ يومئذ رَبُّكَ يا أكمل الرسل اى امره وظهرت طلائع هيبته وآثار قهره وجلاله وَصف الْمَلَكُ اى الملائكة الموكلون من عنده سبحانه المأمورون لتنقيد اعمال العباد والحساب والسؤال صَفًّا صَفًّا اى صفا بعد صف بما يؤمرون من قبل الحق

وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ اى قد أحضرت وهيأت تهويلا على أصحابها وتفظيعا وبالجملة يَوْمَئِذٍ اى يوم القيامة التي ظهرت فيها هذه الآثار يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ المجبول على السهو والنسيان المبادر على الكفر والكفران معاصيه وقول من كان يمنعه ويزجره عنها وينذره منها فيتندم عليها ويتأسف وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى اى من أين ينفعه التذكر والذكر حينئذ والتندم والتلهف إذ نشأة التلافي والتدارك قد انقضت ومضت وبعد ما قد جزم الإنسان انه لا نفع يومئذ لتذكرة

يَقُولُ متمنيا على سبيل الحسرة والندامة يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ في نشأة الاعتبار والاختبار لِحَياتِي ونجاتي في هذا اليوم وبالجملة

فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ اى لا يعذب احد من الزبانية إياه مثل ما عذبه هو نفسه بالحسرة والندامة وانواع الكربة والكآبة والحرمان والخذلان

وَلا يُوثِقُ ولا يحكم وَثاقَهُ ونكاله ايضا أَحَدٌ مثل ما أوثقه وأحكمه هو على نفسه بأنواع الخيبة والخسران واصناف القطيعة والحرمان إذ العذاب الروحاني الطارئ من الندامة والخذلان لا تقاس شدة تأثيره بسائر العذاب الجسماني. ثم أشار سبحانه الى حسن احوال ارباب العناية والكرامة يومئذ من المؤمنين الذين تزودوا في النشأة الاولى للأخرى واتصفوا بالتقوى ولم يعصوا في مدة اعمارهم للمولى ولم يتبعوا الهوى بل اطمأنوا ووطنوا نفوسهم بما جرى عليهم من مقتضيات القضاء وبالجملة لم يضطربوا مطلقا لا في السراء ولا في الضراء ولم يبالوا لا بالشدة ولا بالرخاء بل قد كان في دار الدنيا قرينهم الرضاء بعموم ما جرى عليهم من القضاء لذلك يقال لهم من قبل الحق يومئذ على سبيل التبشير

يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ويا اصحاب النفوس الزاكية والقلوب الصافية المتقررة المتمكنة في مقام التسليم والرضا

ارْجِعِي إِلى كنف رَبِّكِ واصعدي على الطريق الذي قد هبطت عنه راضِيَةً متصفة بالرضاء كما كنت راضية بالقضاء في النشأة الاولى مَرْضِيَّةً مقبولة مكرمة عند المولى وبعد ما قد رجعت على الوجه المذكور

فَادْخُلِي فِي زمرة عِبادِي الذين وصلوا الى كنف جواري وحصلوا في مقعد الصدق لدى

وَبالجملة ادْخُلِي جَنَّتِي اى جنة وحدتي واستريحى في خلدة لاهوتي. جعلنا الله ممن خوطب بهذا الخطاب المستطاب انه هو الملهم للصواب وعنده حسن المآب

[خاتمة سورة الفجر]

عليك ايها الموحد المترقب لهذا النداء والمحب المترصد لسماع هذا الصداء ان تكون في عموم أوقاتك على حضور مع ربك بحيث لا يشغلك عنه سبحانه الالتفات الى غيره مطلقا من الميل الى الدنيا وآمالها وأمانيها وعموم ما فيها بل لك ان تكون مطمئنا راضيا بعموم ما جرى عليك من

<<  <  ج: ص:  >  >>