للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وركبها ممتزجة من الآثار العلوية والسفلية وبعد ما سواها وعدلها كذلك

فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها على مقتضى ما أودع فيها من الآثار العلوية والسفلية وخصص اللاهوت والناسوت ثم كلفها ليتميز المحق من المبطل والضال من الهادي والمؤمن من الكافر تتميما للحكمة المتقنة البالغة الإلهية وإظهارا للقدرة الكاملة. ثم قال سبحانه مجيبا لهذه المقسمات المذكورة على سبيل الكناية والتنبيه

قَدْ أَفْلَحَ وفاز عند الله بالدرجات العلية والمقامات السنية مَنْ زَكَّاها اى من طهر نفسه عن الرذائل السفلية ومقتضياتها الامكانية وأمانيها الدنية الدنياوية

وَقَدْ خابَ خسر وهلك مَنْ دَسَّاها ونقص عن كمالاتها واضلها عنها حيث حملها على اقتراف انواع المعاصي والآثام المترتبة على سفليات الطبائع والهيولى ورذائل الإمكان المورث لهم انواع الخيبة والخسران واصناف الحرمان والخذلان لذلك

كَذَّبَتْ ثَمُودُ المبالغ في إهلاك النفس وتضليلها وتغريرها بمن أرسل إليها وامر لإرشادها حين انحرفت عن جادة العدالة بِطَغْواها اى بسبب طغيانها وتغليبها حظوظ السفليات على حظوظ العلويات وبعدوان القوى الامارة على جنود المطمئنة وبانقهار نشآت اللاهوت بغلبة مقتضيات الناسوت وذلك انهم قد بالغوا في العتو والعناد والتكذيب والإفساد سيما وقت

إِذِ انْبَعَثَ اى قام واقدم مسرعا أَشْقاها اى أشقى القبيلة واردؤها واضلها عن طريق الحق وهو قدار بن سالف الى عقر الناقة المعهودة المخصوصة المحفوظة بالوصية الإلهية وبعد تصميم العزم اى العقر

فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ باذن الله ووحيه وهو صالح عليه السلام على مقتضى شفقة النبوة ذروا ناقَةَ اللَّهِ واحذروا عن عقرها وَبالجملة لا تمسوها بسوء مطلقا فيأخذكم عذاب عظيم اى لا تعرضوا لها وذروا أيضا لها سُقْياها التي قد عينها الله حسب حكمته ومصلحته ولا تذبوها عن الماء والكلأ

فَكَذَّبُوهُ ولم يقبلوا قوله ونصحه واجتمعوا على عقرها فَعَقَرُوها فخرج الرسول من بينهم خوفا من حلول عذاب الله عليهم وسطوة قهره وجلاله وبعد ما ارتكبوا المنهي المحظور فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اى أطبق عليهم الصيحة الهائلة فاهلكهم بها بالمرة بِذَنْبِهِمْ الذي صدر عنهم وهو تكذيب الرسول المرشد لهم من قبل الحق فَسَوَّاها اى سوى البلاء على تلك القبيلة وأعمه عليهم وأشمله بحيث لا ينجو منهم احد وبالجملة قد اقدم العاقر اللعين على عقرها واتفقوا معه

وَلا يَخافُ لا هو ولا هم عُقْباها اى ما يعقب عقرها ويتبعه وما يترتب عليه من انواع البلاء والمصيبة والعناء مع ان الرسول قد أخبرهم بها وحذرهم عنها فكذبوه واستهزؤا به لذلك لحقهم ما لحقهم بشؤم أعمالهم الفاسدة. نعوذ بك يا ذا اللطف والجلال من سيئات الأعمال وتشتت الأحوال وتفاقم الأهوال

[خاتمة سورة الشمس]

عليك ايها الطالب للفلاح الأبدي والصلاح السرمدي المترتب على العناية الإلهية وفضله ان تصفى نفسك عن مقتضيات الإمكان وظلمات الهيولى والأركان حتى تأمن أنت عن طغيانها وعدوانها فعليك ان تحليها بالمعارف والحقائق الإلهية ومحاسن الشيم والأعمال والأخلاق المرضية الموجبة لفيضان لوامع الكشف والشهود المخلص عن مطلق القيود المنافية لصرافة اطلاق الوحدة الذاتية المسقطة لعموم الكثرات المتفرعة على مطلق الإضافات الطارئة على التعينات العدمية. وفقنا الله لتخلية النفس عن مطلق الرذائل وتحليتها بمحاسن الشيم والخصائل

<<  <  ج: ص:  >  >>