للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الليل]

[فاتحة سورة الليل]

لا يخفى على المنكشفين بنشآت الحق وشئونه الغيبية والشهادية ان تنزلات الحق عن مكمن العماء اللاهوتى نحو فضاء الناسوت على اطوار متفاوتة وشئون شتى حسب اقتضاء رقائق أسمائه الذاتية المقتضية للظهور والجلاء لذلك اقسم سبحانه بنشأتى الغيب والشهادة وبما امتزج منهما واجتمع واختلط في البرزخ الجامع الإنساني المحتوى على نشأتى الغيب والشهادة المتفرعة عليهما التكاليف الإلهية فقال بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ المتجلى على عموم شئونه المترتبة على أسمائه الغير المحصورة الرَّحْمنِ لجميع مظاهره حيث يطلعها على ذاته ليتوجه الكل نحوه طوعا الرَّحِيمِ لنوع الإنسان حيث نبه عليه سر سريان وحدته الذاتية على صحائف الكثرات المرئية الموهوبة ليتصف بالخلافة والنيابة الإلهية ويتحلى بحلل التفضيل والتكريم

[الآيات]

وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى اى بحق الهوية الغيبية الإلهية المتمكنة في مكمن العماء الذاتي المغشى لنقوش الكثرات الموهوبة المترتبة على الأسماء والصفات الذاتية المنعكسة منها من شدة بريقها ولمعانها

وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى اى وبحق الهوية الشهادية الإلهية في عالم البروز والجلاء المظهرة لآثار الأسماء والصفات إظهارا للحكمة البالغة التي هي ترتب الايمان والعرفان على تلك الآثار

وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى اى وبحق القادر الحكيم العليم الذي قدر وصور برزخ الإنسان المصور على صورة الرحمن الجامع لمراتب عموم الأكوان حيث ركبه وأودع فيه من الحصص اللاهوتية الغيبية والناسوتية الشهادية ثم كلفه بالتكاليف الشاقة ليترقى من حضيض الناسوت الى ذروة اللاهوت لذلك استخلفه واصطفاه وانتخبه من عموم مظاهره وهداه ليترتب على مرتبته هذه المصلحة العلية الحاصلة السنية وانما خلقه زوجا ليدوم ولا يبيد في نشأة الشهادة وجود المرتبة التي هي الغاية القصوى من نشأة الشهادة.

ثم قال سبحانه مجيبا للقسم مخاطبا لافراد الإنسان تربية لهم وتنبيها على مقاصدهم ومصالحهم

إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى مختلف متفاوت حسب تفاوت ما أودع ربكم فيكم من الحصص المذكورة

فَأَمَّا مَنْ أَعْطى منكم للفقراء الفاقدين وجه الكفاف مما ساق له الحق من الرزق الصوري والمعنوي مقارنا للخشوع والخضوع وخلوص النية وصدق العزيمة واتى بأنواع الطاعات والعبادات المأمور بها وَاتَّقى واجتنب عن مطلق المحارم والمنهيات التي قد وردت الزواجر الإلهية فيها

وَمع ذلك قد صَدَّقَ بِالْحُسْنى اى صدق بعموم مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية وبجميع آثار صفاته العليا التي لا تعد ولا تحصى

فَسَنُيَسِّرُهُ نعده ونوفقه لِلْيُسْرى اى للطريقة السهلة السمحة الموصلة الى مقصد الوحدة والمعرفة المنجية عن غياهب الشكوك وظلمات الأوهام

وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ ولم ينفق على مقتضى ما امره الحق وَاسْتَغْنى بلذات الدنيا الدنية عن اللذات الاخروية

وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى بعموم مقتضيات الأسماء

فَسَنُيَسِّرُهُ نبتليه ونستعده لِلْعُسْرى اى للطريقة العسرة الوعرة التي هي طريق الكفر والمعصية المؤدية الى اودية الشهوات المستلزمة لدركات النيران

وَبعد ما نأخذه في النشأة الاخرى بسبب بخله وكفره ما يُغْنِي وما يكف ويدفع عَنْهُ مالُهُ شيأ من غضبنا عليه إِذا تَرَدَّى اى وقت إذ هوى وهلك في قعر جهنم الإمكان وسعير نيران الخيبة والخذلان. ثم قال سبحانه تعريضا للمفرطين المسرفين

إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى يعنى ما علينا من إصلاحكم الا الهداية والإرشاد فهديناكم ولم تهتدوا

<<  <  ج: ص:  >  >>