للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما في مطاويها من البدائع والغرائب المودوعة فيها ولا تنظر الى كونك اميا لست من اهل الإملاء وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الأكمل في الكرامة والهداية لأرباب العناية

الَّذِي عَلَّمَ الخط والرقم بِالْقَلَمِ الذي هو بمراحل عن التكلم والتفهم ولا تستبعد من كمال كرامته وعنايته تعليمك يا أكمل الرسل إذ هو سبحانه

عَلَّمَ الْإِنْسانَ المصور على صورة الرحمن عموم ما لَمْ يَعْلَمْ من البيان والتبيان وانواع طرق الكشف والعيان فأنت يا أكمل الرسل من أعز افراد الإنسان شأنا وأعلاه شرفا وبرهانا وارفعه قدرا ومكانا. وبعد ما أشار سبحانه الى مبدأ الإنسان ومادته والى منتهاه وغايته تعجب سبحانه من حاله واستبعد ما صدر عنه من الكفران والطغيان والبغي والعدوان مع كمال عناية الله به ووفور كرامته له فقال على سبيل الردع والزجر

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ المستحدث من الأقذار المهانة المترقى الى غاية الكرامة وأعلى المقام حسب فضلنا وجودنا لَيَطْغى ويتجاوز عن حده ويستكبر على ربه وينسى اصل منشئه لأجل

أَنْ رَآهُ وعلم نفسه انه اسْتَغْنى اى قد صار غنيا عن الله مستغنيا عن الافتقار اليه مستكبرا على عباده يمشى على وجه الأرض خيلاء بما عنده من حطام الدنيا ومزخرفاتها الفانية وكيف يتأتى لك الطغيان والاستكبار ايها المسترزل المهان المستحدث من الماء المهين

إِنَّ إِلى رَبِّكَ

الذي أظهرك من كتم العدم وأحدثك من الأمشاج المرذولة الرُّجْعى

اى الرجوع المعهود الموعود في النشأة الاخرى فسيجزيك ربك بجميع ما صدر عنك بعد ما حاسبك عليه حسب العدالة والإنصاف. ثم نص سبحانه على ذكر بعض الطاغين المستغنين المستكبرين بما عنده من الجاه والثروة وهو ابو جهل اللعين فقال

أَرَأَيْتَ ايها المعتبر الرائي الطاغي الباغي الَّذِي يَنْهى اى يمنع ويكف

عَبْداً كاملا في العبودية يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم إِذا صَلَّى وتوجه نحو ربه بجميع أعضائه وجوارحه وأراد ان يصرفه عنها ويعوق عليه وذلك ان أبا جهل لعنه الله قال لو رأيت محمدا ساجدا لأطأن عنقه فرآه ساجدا فجاءه ليطأه ثم نكص واستدبر فقيل له ما لك فقال ان بيني وبينه لخندقا مملوا من النار وهولا واجنحة. ثم خاطب سبحانه هذا الطاغي الناهي خطاب تهديد وتقريع

أَرَأَيْتَ اى أخبرني ايها المفسد المتناهي في البغي والعناد إِنْ كانَ العبد المصلى نحو الحق تابعا عَلَى الْهُدى والرشد

أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى والاجتناب عن مقتضيات الهوى لتنهاه أنت ايها الطاغي عن فعله هذا وتمنعه عن رشاده وإرشاده البتة

أَرَأَيْتَ أخبرني ايضا انك قد نهيته عن الصلاة إِنْ كَذَّبَ على الله وَتَوَلَّى اى اعرض عن مقتضيات أوامره سبحانه ونواهيه وبالجملة نهيته ايها الناهي المتناهي في العتو والعناد عن الصلاة مطلقا سواء كان على الهدى آمرا بالتقوى متجنبا عن الهوى او مكذبا على المولى معرضا عما جرى عليه من القضاء مستنكفا عن مطلق الأوامر والنواهي والاحكام المأمور بها الموردة في الكتب السماوية يعنى ليس سبب نهيك الا العصبية والعناد سواء كان محقا في فعله او مبطلا. ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع لهذا المكابر الناهي

أَلَمْ يَعْلَمْ ذلك الناهي المباهي المتناهي في الكبر والخيلاء بِأَنَّ اللَّهَ القادر المقتدر على وجوه الانعام والانتقام يَرى يعلم ويشهد جميع ما صدر عنه من المجادلة والمراء فيجازيه بمقتضى علمه وخبرته. ثم قال سبحانه

كَلَّا ردعا للناهى عما عليه من المكابرة والعناد لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الناهي المباهي المتناهي فيما عليه من المكابرة والعناد لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ اى لنأخذن البتة بناصيته ونسحبنه مكبا على وجهه نحو النار المعدة لتعذيب الكفرة الفجار المبالغين في الكفر والكفران

<<  <  ج: ص:  >  >>