للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ هو مستو على صراط التوحيد وجادة العدالة بعيد عن كلا طرفي الإفراط والتفريط المؤديين الى الشرك والشقاق وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بحال لصفاء فطرته ونجابة طينته. ثم لما كان ابراهيم صلوات الرّحمن عليه مستقيما على صراط التوحيد مستويا عليه ما وضع سبحانه أول معبد للموحدين الا لأجله كما قال

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ليعبدوا فيها لله ويتوجهوا الى جنابه لَلَّذِي بِبَكَّةَ اى البيت الذي وضع بمكة شرفها الله قيل قد وضع المسجد الحرام قبل وضع بيت المقدس بأربعين سنة وانما وضع مُبارَكاً كثير الخير والبركة والنفع لساكنيه وزائريه يرشدهم الى الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وَهُدىً لِلْعالَمِينَ يوصلهم الى التوحيد الذاتي لو كوشفوا بسرائر وضعه وتشريعه

إذ فِيهِ آياتٌ دلائل وشواهد بَيِّناتٌ واضحات دالة على توحيد الذات منها مَقامُ إِبْراهِيمَ وهو مقام الرضا والتسليم وَمَنْ دَخَلَهُ حنيفا مسلما مسلما مفوضا كانَ آمِناً عن وسوسة الأنانية ودغدغة الغيرية متصفا بصفة الخلة وَلِلَّهِ اى للوصول الى مشرب توحيده وللتحقق بمقام عبوديته وتفريده قد أوجب سبحانه عَلَى النَّاسِ المجبولين على فطرة المعرفة واليقين حِجُّ الْبَيْتِ اى طواف البيت الممثل على قلب الخليل اللائق لخلعة الخلة والخلافة على مَنِ اسْتَطاعَ منكم ايها الحيارى في صحارى الإمكان إِلَيْهِ سَبِيلًا فليسلك نحوه يعنى من استطاع اى يميت نفسه بالموت الإرادي ويترك بقعة الإمكان مهاجرا الى الله مفوضا أموره كلها اليه بل مفنيا هويته في هوية الله مثل الخليل الجليل صلوات الرّحمن عليه وسلامه فعليه ان يزور ويطوف حول بيت الله الذي هو قلب الإنسان حقيقة راجيا منه سبحانه خلعة الخلة والخلافة ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا وَمَنْ كَفَرَ ولم يحج بيت ربه مع استطاعته إنكارا وعنادا فَإِنَّ اللَّهَ المستغنى في ذاته عن جميع مظاهره ومصنوعاته غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ لم يبال بهم وبعباداتهم وانما أظهرهم وأوجب عليهم العبادة والرجوع الى جنابه والتوجه نحو بابه ليتحققوا في مرتبة العبودية ويتقرروا فيها حتى يستحقوا الخلافة والنيابة المتفرعة على سر الظهور والإظهار

قُلْ يا أكمل الرسل لمن أنكر شعار الإسلام يا أَهْلَ الْكِتابِ المدعين للايمان بوحدانية الله لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ الدالة على توحيده المنزلة على نبيه الذي قد جاء من عنده بالتوحيد الذاتي ليكون مرسلا الى كافة البرايا رحمة للعالمين وَلا تخافون من غضب الله وسخطه عليكم ايها المكابرون إذ اللَّهُ شَهِيدٌ مطلع حاضر عَلى عموم ما تَعْمَلُونَ أنتم من الإنكار والاستكبار والتحريف والتغيير

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ المدعين الاتباع بالكتب والرسل المنزلة من عند الله لِمَ تَصُدُّونَ وتصرفون وتعرضون عباد الله عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الذي هو دين الإسلام مع انه هو الصراط المستقيم الموصل الى صفاء الوحدة الذاتية مَنْ آمَنَ انقاد وتدين به تَبْغُونَها وتطلبونها عِوَجاً اى أنتم طالبون ان توقعوا فيه عوجا وانحناء وضعفا حتى يضعف اعتقاد المسلمين ويتزلزل آراؤهم في امور الدين كما في زماننا هذا وَالحال انكم أَنْتُمْ شُهَداءُ مطلعون من مطالعة الكتب المنزلة عليكم من عند الله المخبرة بظهور دين الإسلام وارتفاع قدره وقدر من اتى به ومع ذلك حرفتم الكتب وانكرتم عليه عنادا واستكبارا وبالجملة لا تغفلوا من حلول غضب الله وانتقامه عليكم وَمَا اللَّهُ العالم بالسرائر والخفيات بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ من التلبيس والعناد والتحريف والتغيير ثم لما بالغ سبحانه في توبيخ الكافرين القاصدين إضلال المؤمنين بما بالغ أراد ان يحذر المؤمنين عن مخالطتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>