للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تستقرون وتثبتون على الايمان وتصبرون على مشاق المصائب الحادثة في حفظه أم لا وَبعد ما خالفتم امر الله وامر رسوله وملتم الى الغنائم سيما بعد ورود النهى من الله ورسوله لَقَدْ عَفا الله ومحا عَنْكُمْ ذنوبكم التي جئتم بها بعد ندامتكم واستغفاركم تفضلا عليكم وان كان مقتضى جريمتكم هذه استئصالكم بالمرة وَبالجملة اللَّهُ الرقيب الحافظ على احوال عموم عباده ذُو فَضْلٍ عظيم عَلَى الْمُؤْمِنِينَ منكم يجاوز عن سيئاتهم وان عظمت زلتهم بعد ما تابوا واستغفروا.

اذكروا ايها المؤمنون قبح صنيعكم واستحيوا من الله نادمين عما صدر عنكم وقت إِذْ تُصْعِدُونَ وتذهبون الى الأباعد خوفا من العدو فارين من الزحف متخلفين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَعند فراركم وذهابكم لا تَلْوُونَ ولا تلتفتون على جوانبكم وأعقابكم ولا تنتظرون عَلى أَحَدٍ من أحوالكم وَالرَّسُولُ في تلك الحالة يَدْعُوكُمْ ويناديكم صارخا الى عباد الله وقد كان الرسول فِي أُخْراكُمْ اى ساقتكم وعصابتكم ولم يلتفت احد منكم الى عقبه لإجابة دعائه صلّى الله عليه وسلّم ومع ذلك لم تنجوا سالمين بل فَأَثابَكُمْ وأورثكم الله الرقيب عليكم المصلح لأحوالكم تربية لكم وتأديبا غَمًّا متصلا بِغَمٍّ آخر الى حيث قد أحاطت بكم الغموم من القتل والجرح والإرجاف بقتل الرسول صلّى الله عليه وسلّم الى غير ذلك من الهموم والغموم وانما فعل بكم سبحانه ما فعل لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ من النهب والغنيمة وَلا على ما أَصابَكُمْ من الفرار والهزيمة حتى تتمكنوا في مقام الرضا والتسليم ولا تخالفوا امر الله ورسوله وَبالجملة اللَّهُ المصلح المدبر لأحوالكم خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ اى بعموم عملكم بمقتضى تسويلات نفوسكم فيجازيكم بها كي تتنبهوا وتتفطنوا وتسلموا أموركم كلها الى الله وتتحققوا بالتوحيد الذاتي

ثُمَّ لما تبتم ورجعتم الى الله نادمين عما فعلتم أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ تفضلا وامتنانا مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ المفرط أَمَنَةً طمأنينة ووقارا الى حيث تورث لكم نُعاساً ورقودا يَغْشى ويعرض طائِفَةً مِنْكُمْ وهم المتحققون بمقام العبودية الراضون بعموم ما جرى عليهم من سلطان القضاء بحيث لا يشوشهم لا السراء ولا الضراء وَطائِفَةٌ اخرى من منافقيكم قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ وأوقعتهم هويتهم العاطلة واهويتهم الباطلة في الهموم والغموم المبعدة عن مقام التفويض والتسليم بحيث يَظُنُّونَ بِاللَّهِ ظنا باطلا غَيْرَ الظن الْحَقِّ اللائق به سبحانه بل ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ الباطلة الفاسدة لذلك يَقُولُونَ لرسول الله استكشافا ظاهرا وإنكارا خفيا على سبيل الاستفهام هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ اى امر الله الذي قد وعدتنا به وهو النصر والظفر مِنْ شَيْءٍ أم الأمر والغلبة كله للعدو دائما واليد لهم مستمرا قُلْ لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا إِنَّ الْأَمْرَ اى الحكم والشأن المتعلق بعموم ما يكون وما كان كُلَّهُ لِلَّهِ مستند اليه أولا وبالذات بلا رؤية الأسباب والوسائل في البين وبالجملة هم من نهاية غفلتهم عن الله وعن حيطة علمه وشمول ارادته وقدرته يُخْفُونَ ويضمرون فِي أَنْفُسِهِمْ من البغض والنفاق ما لا يُبْدُونَ لَكَ يا أكمل الرسل بل يظهرون لإخوانهم إذا خلوا معهم حيث يَقُولُونَ متهكمين مستهزئين لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ والغلبة شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا مظلومين صاغرين قُلْ لهم يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض الحكمة لا مرد لقضاء الله ولا معقب لحكمه بل ما يجرى في ملكه الا ما ثبت في علمه ورسم في لوح قضائه واعلموا انكم

<<  <  ج: ص:  >  >>