للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطغيان والظلم والعدوان كلا وحاشا ليس هؤلاء الغواة مثل أولئك الهداة

بل هُمْ دَرَجاتٌ اى لأولئك المتابعين رضوان الله درجات عالية عظيمة عِنْدَ اللَّهِ حسب مراتبهم العالية وأعمالهم الصالحة وَبالجملة اللَّهِ المطلع لعموم احوال عباده بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ يجازيهم بمقتضى عملهم ان خيرا فخير وان شرا فشر

والله لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ المتفضل المنان منة عظيمة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ المخلصين وقت إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ لهدايتهم وإرشادهم رَسُولًا هاديا لهم ناشئا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأشياعهم يرشدهم ويهديهم الى طريق التوحيد بأنواع اللطف والكرم حيث يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ويسمعهم أولا آياتِهِ الدالة على وحدة ذاته وَيُزَكِّيهِمْ اى يطهرهم ثانيا عن وسوسة شياطين الأهواء المضلة عن الطريق المستبين وَيُعَلِّمُهُمُ ثالثا الْكِتابَ المبين لهم طريق تصفية الظاهر وما يتعلق بعالم الشهادة وَيكشف لهم رابعا الْحِكْمَةَ المصفية لبواطنهم عن الميل الى الغير والسوى الموصلة إياهم الى سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ اى قبل انكشافهم بالمراتب الاربعة العلية لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وخذلان عظيم. نبهنا بفضلك وجودك عن نومة الغافلين

ثم قال سبحانه تسلية للمؤمنين وحثا لهم على الجهاد أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يعنى أتيأسون وتقنطون من فضل الله عليكم ايها المؤمنون حين أصابتكم مصيبة يوم احد ولا تذكرون نصره عليكم يوم بدر إذ قَدْ أَصَبْتُمْ فيه مِثْلَيْها إذ قتلتم يومئذ سبعين وأسرتم سبعين حيث قُلْتُمْ من غاية يأسكم واسفكم أَنَّى هذا اى من اين حدث لنا هذه الحادثة الهائلة ونحن قد وعدنا النصر والظفر من عند ربنا قُلْ لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ وبعدم تثبتكم وتصبركم في مكانكم الذي قد عين لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باذن الله وبعدم وفائكم وثباتكم على العهد الذي عاهدتم معه صلّى الله عليه وسلّم او من أخذ الفدية التي أخذتم يوم بدر مع ان الاولى قتلهم واستئصالهم وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المطلع على عموم مخايلكم عَلى كُلِّ شَيْءٍ من المصيبة والإصابة قَدِيرٌ

وَاعلموا ايها المؤمنون الموقنون بقدرة الله على عموم الانعام والانتقام ان ما أَصابَكُمْ ولحق بكم يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ اى وقت التقاء الصفين يوم احد فَبِإِذْنِ اللَّهِ المنتقم منكم بسبب تغييركم ما في ضميركم من نية التقرب بالميل الى زخرفة الدنيا واتباع الهوى وَانما ابتليكم الله بما ابتليكم لِيَعْلَمَ اى يميز ويفرق الْمُؤْمِنِينَ الذين ثبتوا على الايمان وتمكنوا مستقرين على شعائر الإسلام عن غيرهم

وَلِيَعْلَمَ ويفصل ايضا الَّذِينَ نافَقُوا اى أظهروا الوفاق وابطنوا الكفر والشقاق وَلذلك قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مع اعداء الله حتى نستأصلهم أَوِ ادْفَعُوا ضررهم عنا قالُوا في الجواب بمقتضى ما في قلوبهم من النفاق لَوْ نَعْلَمُ مساواة بينكم وبينهم او نعلم كونهم على ضعفكم فنسميه قِتالًا فإذا لَاتَّبَعْناكُمْ فنقاتل معكم بل هم بأضعافكم وآلافكم عددا وعددا وبالجملة ما أنتم عليه انما هو إلقاء النفس في التهلكة لا المقاتلة والمدافعة فكيف نتبعكم وبالجملة هُمْ بسبب صدور هذا القول منهم لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ لمطابقة قولهم هذا بما في نفوسهم من الكفر وعدم مطابقته بايمانهم الذي هو مجرد القول إذ هم يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ حفظا لدمائهم وأموالهم تلبيسا وتغريرا ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ من القبول والإذعان وَاللَّهُ المطلع لما في ضمائرهم أَعْلَمُ منهم بِما يَكْتُمُونَ في قلوبهم من الكفر والنفاق يجازيهم بمقتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>