للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللسان بلا اعتقاد منهم واخلاص أراد سبحانه ان يبين المؤمن ويميزه من المنافق والمخلص من المرائى فقال ما كانَ اللَّهُ المطلع لضمائر عباده لِيَذَرَ ويترك الْمُؤْمِنِينَ المخلصين عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ من الالتباس والمشاركة مع اهل الكفر والنفاق بحسب الظاهر بل يختبر ويمتحن إخلاصكم بأنواع البليات والمصيبات حَتَّى يَمِيزَ ويفصل الْخَبِيثَ المنافق المصر على النفاق مِنَ الطَّيِّبِ المؤمن الموقن بتوحيد الله الراضي بما جرى عليه من قضائه وَبعد تمييزه وفصله سبحانه ما كانَ اللَّهُ المطلع على عموم الغيوب لِيُطْلِعَكُمْ بأجمعكم عَلَى الْغَيْبِ الذي من جملة ما في ضمائر عباده من الوفاق والنفاق وَلكِنَّ اللَّهَ المحيط بعموم القابليات يَجْتَبِي ويختار مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ بان يوحى اليه ويلهمه التمييز بين استعدات عباده للايمان والكفر وإذا كان عموم الأمر عند الله العزيز العليم فَآمِنُوا ايها المؤمنون المخلصون بِاللَّهِ المميز لاستعداداتكم اصالة وَرُسُلِهِ الملهمين بالتمييز تبعا وَإِنْ تُؤْمِنُوا وتحافظوا على شعائر الايمان بعد ما آمنتم وَتَتَّقُوا عن الميل والمخالفة فَلَكُمْ عند الله الميسر لكم أَجْرٌ عَظِيمٌ هو ايصالكم الى التحقق بمقام العبودية والتوحيد إذ لا اجر أعظم منه

وَمن جملة الأمور التي يجب الاتقاء والتحرز عنه البخل لا يَحْسَبَنَّ البخلاء الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ المنعم المفضل إياه مِنْ فَضْلِهِ اختيارا لهم تدخيرا وتوريثا لأولادهم هُوَ خَيْراً لَهُمْ اى البخل ينفعهم عند الله ويثيبهم لأجله او يدفع عنهم العذاب بسببه بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ يستجلب انواع العذاب عليهم وكيف لا يجلب سَيُطَوَّقُونَ اى يسلسلون ويغلون ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ويسحبون بتلك السلسلة والغل على وجوههم الى نار البعد والحرمان جزاء لبخلهم الذي كانوا عليه وَبالجملة لِلَّهِ لا لغيره من الأسباب والوسائل مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى حيازة جميع ما في عالم الأرواح وعالم الأشباح تملكا وتصرفا بحيث لا ينازع في ملكه ولا يشارك في سلطانه بل له الحكم والشان واليه رجوع عموم ما يكون وكان وَاللَّهُ المتوحد المتفرد في ملكه وملكوته بِما تَعْمَلُونَ من التصرفات المجازية خَبِيرٌ لا يغيب عن خبرته شيء من أفعالكم وأقوالكم

كما اخبر سبحانه عن علمه بقول اليهود بقوله لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ السميع العليم قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا استهزاء ومراء حين نزل الآية الكريمة من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ قد استقرض منا وَنَحْنُ أَغْنِياءُ وبعد ما سمع منهم سبحانه ما سمع قال على سبيل التهديد والتوعيد سَنَكْتُبُ ما قالُوا اى قولهم هذا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ فيما مضى في صحائف أعمالهم في نظم واحد ونجازيهم يوم الجزاء حسب ما كتبنا وَنَقُولُ لهم وقت جزائنا إياهم ذُوقُوا ايها المسيئون المفرطون في اساءة الأدب مع الله ورسله عَذابَ الْحَرِيقِ المحرق غاية الإحراق حيث يدرك ويذوق احراقنا اجسامكم وجميع قواكم ونقول لكم حينئذ لا تنسبونا في هذا التعذيب والإحراق الى الظلم والعدوان

إذ حلول ذلِكَ العذاب عليكم انما هو بِما قَدَّمَتْ واكتسبت أَيْدِيكُمْ من المعاصي العظيمة والجرائم الكبيرة التي من جملتها قولكم هذا وقتلكم الأنبياء فيما مضى واهتمامكم بقتل آخر الأنبياء عليه السّلام وَاعلموا أَنَّ اللَّهَ المنتقم الغيور لَيْسَ بِظَلَّامٍ اى ذي ظلم وعدوان لِلْعَبِيدِ الذين ظلموا في دار الدنيا بل يجازيهم وينتقم عنهم بمقتضى ظلمهم وطغيانهم بلا زيادة ونقصان عدلا منه سبحانه ومن جملة المعذبين ايضا بهذا العذاب المهين

الَّذِينَ قالُوا افتراء

<<  <  ج: ص:  >  >>