للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تغيير لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ شيأ مما فيه من القصص والعبر والرموز والإشارات سيما من أوصاف النبي الموعود صلّى الله عليه وسلّم فَنَبَذُوهُ بعد عهدهم وميثاقهم المعهود وَراءَ ظُهُورِهِمْ وان كان الواجب عليهم الحفظ والوفاء وَاشْتَرَوْا بِهِ اى اختاروا بدله ثَمَناً قَلِيلًا من الرشى من مترفيهم ومستكبريهم حفظا لرئاستهم وجاههم فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ويختارون بدل ما يكتمون سيما أوصاف محمد صلّى الله عليه وسلّم

وبالجملة لا تَحْسَبَنَّ ايها الكامل في امر الرسالة المنافقين الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا من الخداع والنفاق مع المؤمنين واظهارهم الايمان على طرف اللسان وَهم في أنفسهم يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا عند إخوانهم بِما لَمْ يَفْعَلُوا من الإخلاص مع المؤمنين وهم وان خلصوا عن أيدي المؤمنين ظاهرا بخداعهم وتغريرهم هذا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ يا أكمل الرسل بِمَفازَةٍ مخلص ومنجاة مِنَ الْعَذابِ المخلد المعد لهم في يوم الجزاء بل وَلَهُمْ فيه عَذابٌ أَلِيمٌ سيما عند رؤيتهم المؤمنين المخلصين في النعيم المقيم واللذة المستمرة وَان اغتر أولئك المغرورون بامهال الله إياهم في النشأة الاولى وما علموا انهم لا يمهلون في النشأة الاخرى

إذ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ اى عالم الأرواح وَالْأَرْضِ اى عالم الطبيعة والأشباح. وله التصرف فيهما كيف يشاء متى يشاء بالإرادة والاختيار بطشا وامهالا ثوابا وعذابا وَبالجملة اللَّهُ المتعزز المتفرد في ملكه وملكوته عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الانعام والانتقام قَدِيرٌ بلا فتور ولا قصور.

ثم قال سبحانه ايقاظا للمسترشد الخبير وتنبيها للمستبصر البصير إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ اى الأوصاف والأسماء الفياضة الفعالة وَالْأَرْضِ اى الطبيعة القابلة لقبول الفيض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ اى آثار القبض والجلال وَالنَّهارِ اى آثار البسط والجمال لَآياتٍ دلائل وعلامات على رقائق المناسبات ودقائق الارتباطات الواقعة بين الأسماء والصفات المستدعية لظهور التجليات الظاهرة في الأنفس والآفاق حسب القوابل والمظاهر لِأُولِي الْأَلْبابِ الواصلين الى لب التوحيد المعرضين عن قشوره بالمرة.

الا وهم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ المتوحد في ذاته في جميع حالاتهم سواء كانوا قِياماً اى قائمين وَقُعُوداً اى قاعدين وَعَلى جُنُوبِهِمْ مضطجعين متكئين وَبالجملة هم في عموم شئونهم وحالاتهم يَتَفَكَّرُونَ دائما فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الى ان سكروا وترقى أمرهم في السكر الى ان يتحيروا وبعد تحيرهم استغرقوا وبعد استغراقهم تاهوا وهاموا وبعد ذلك فنوا في الله ثم فنوا ثم فنوا وانقطع سيرهم فمنهم من تمكن في تلك المرتبة العلية واستقر عليها وبقي في قباب عز الوحدة متعززا متفردا ومنهم من صحا عن سكره ورجع الى بدئه مستكملا قائلا رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا المحسوس المشاهد باطِلًا بلا طائل سُبْحانَكَ نقدسك وننزهك يا ربنا عن مدركات عقولنا وحواسنا فَقِنا واحفظنا بلطفك عَذابَ النَّارِ الذي قد أحاط بنا بسبب غفلتنا عن مطالعة وجهك الكريم

رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ اى جعلته في مضيق الإمكان من المحبوسين المسجونين المعذبين المطرودين فظلموا أنفسهم بالتفاتهم نحو الغير وَبالجملة ما لِلظَّالِمِينَ المستقرين نفوسهم في ظلمة الإمكان بأنواع الخزي والخذلان مِنْ أَنْصارٍ ينصرونهم ويخرجونهم منها سوى المؤيدين من عندك من الأنبياء والأولياء المأمورين من لدنك بهداية المضلين

رَبَّنا بعد ما وفقتنا بإرسال رسلك إلينا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً مشفقا هاديا مرشدا إذ هو يُنادِي ويرشد لِلْإِيمانِ بتوحيدك قائلا

<<  <  ج: ص:  >  >>