للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطبيعي أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ ويحكم لَهُنَّ وفي حقهن سَبِيلًا حكما مبرما هذا في بدأ الإسلام

ثم نسخ بآية الرجم والجلد وَالَّذانِ يَأْتِيانِها اى الفعلة القبيحة التي هي اللواطة وهما اى الآتي والمأتى كلاهما مِنْكُمْ ايها الرجال وهذه افحش من الزنا لخروج كل منهما عن مقتضى الحد الإلهي وانحطاطهما عن رتبة الكمال الإنساني بارتكابهما فعلا لا يقتضيه العقل والشرع والمروءة بخلاف الزنا ولشناعتها وخباثتها لم يعين لها سبحانه حدا في كتابه المبين لأنه تنافى اخلاق الإنسان ولم يصرح بها ايضا بل ابهمها وأجملها وأحال حكمها بالمقايسة على الزنا لكمال هجنتها وسماجتها كأن هؤلاء المفرطين ليسوا من الإنسان بل من البهائم بل أسوأ حالا منها لذلك قال فَآذُوهُما إيذاء بليغا وتعزيرا شديدا حتى يمتنعا فَإِنْ تابا وامتناعا وَأَصْلَحا ما افسدا بالتوبة والندامة فَأَعْرِضُوا عَنْهُما مستغفرين لهما من الله مستعفين غير موبخين ومقرعين عليهما إِنَّ اللَّهَ المطلع لضمائر عباده المذنبين النادمين كانَ تَوَّاباً لهم يرجعهم عن ما صدر عنهم نادمين رَحِيماً يعفو عنهم ويقبل توبتهم.

ثم قال سبحانه إِنَّمَا التَّوْبَةُ اى ما التوبة المقبولة المبرورة الا التوبة الناشئة من محض الندامة المنبئة المتفرعة على تنبه القلب عن قبح المعصية سيما في أمثال هذه المزالق وهي المصححة الباعثة عَلَى اللَّهِ ان يقبلها النافعة لِلَّذِينَ اى للمؤمنين الذين يَعْمَلُونَ السُّوءَ اى الفعلة الذميمة لا عن قصد وروية بل بِجَهالَةٍ عن قبحها ووخامة عاقبتها ثُمَّ اى بعد ما أدركوا قبحها واطلعوا على وخامة عاقبتها يَتُوبُونَ اى يبادرون ويراجعون الى التوبة والندبة مِنْ قَرِيبٍ اى قبل الانتهاء الى وقت الإلجاء فَأُولئِكَ التائبون المبادرون الى التوبة قبل حلول الأجل يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اى يقبل توبتهم بعد ما وفقهم عليها ولقنهم بها وَكانَ اللَّهُ المطلع على ضمائرهم عَلِيماً بمعاصيهم في سابق علمه حَكِيماً في الزام التوبة عليهم ليجبروا بها ما كسروا على نفوسهم

وَبالجملة لَيْسَتِ التَّوْبَةُ الصادرة حين الإلجاء والاضطراء نافعة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ في مدة اعمارهم مسوفين التوبة فيها حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ الملجئ إليها قالَ متأسفا متحسرا مضطرا بعد ما ايس من الحيوة وابصر امارات الموت من نفسه واشرف على السكرات إِنِّي تُبْتُ الْآنَ على وجه التأكيد والمبالغة وهي لا تنفع له وان بالغ فيها والسر في عدم قبول الله إياها والله اعلم ان الانابة والرجوع الى الله لا بد وان تكون عن قصد واختيار وفي وقت القدرة على المعصية وحين الميل إليها حتى يعتبر عند الله ويقبل منه لا عن الحاء واضطرار إذ لا يتصف التائب حين الإلجاء بالعبودية والإطاعة وقصد التقرب الى الله بل وَلَا فرق بينهم وبين الكافرين الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ حين حلول الأجل عليهم كُفَّارٌ كما كانوا أُولئِكَ المسوفون المقصرون في امر التوبة قد أَعْتَدْنا لَهُمْ وهيئنا لأجلهم في النشأة الاخرى عَذاباً طردا وحرمانا أَلِيماً فظيعا فجيعا مؤلما لرؤيتهم اجر التائبين المبادرين عليها في مقعد الصدق عند المليك القادر المقتدر على انواع الانعام والانتقام. تب علينا بفضلك انك أنت التواب الرّحيم. ثم لما كانت العادة في الجاهلية ميراث نفوس النساء كرها وذلك انه لو مات واحد منهم وله عصبة القى ثوبه على امرأة الميت فكانت في تصرفه وحمايته وأحق له وله اختيارها سواء تزوجها بالصداق الاول كرها او طوعا او يضر عليها بمنعها الى ان تفدى هي مثل صداقها

ثم أطلقها نبه سبحانه على المؤمنين ان لا تصدر عنهم أمثال هذا فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله اتركوا جميع ما قد كنتم عليه في جاهليتكم الاولى قبل الايمان سيما ميراث النساء واخذكم انفسهن

<<  <  ج: ص:  >  >>