للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السعداء المقبولون عند الله مصاحبون مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الموقنين المتمكنين في روح الله وكنف لطفه ورحمته وَبالجملة سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ المنعم المتفضل الْمُؤْمِنِينَ المخلصين في يوم الجزاء أَجْراً عَظِيماً هو الفوز بشرف اللقاء في دار البقاء

واعلموا ايها المكلفون ما يَفْعَلُ اللَّهُ المتجلى في الآفاق بالاستحقاق المستغنى عن عموم مظاهره على الإطلاق بِعَذابِكُمْ اى طردكم وحرمانكم إِنْ شَكَرْتُمْ وتحققتم بظهوره سبحانه بهويته الحقة في هوياتكم الباطلة واسندتم جميع ما صدر وظهر عنكم اليه اصالة واستقلالا وَآمَنْتُمْ اى عرفتم وحدته واعترفتم به وَبعد ما فنيتم أنتم بهوياتكم المزخرفة الباطلة العاطلة في هوية الحق الحقة الثابتة الدائمة قد كانَ اللَّهُ الحميد بذاته شاكِراً لنعمه الفائضة من سجال فضله وكرمه على مرايا مظاهره ومصنوعاته عَلِيماً بمقتضاها وأنتم باقون على ما قد كنتم عليه من العدم ولقد احسن من قال

لقد كنت دهرا قبل ان يكشف الغطا ... إخال بانى شاكر لك ذاكر

فلما أضاء الصبح أصبحت شاهدا ... بانك مذكور وذكر وذاكر

ومن مقتضيات التوحيد واليقين ايها الموحدون الموقنون المتوجهون نحو الحق ان لا تظهروا ولا تبثوا الى الله الشكوى في الأمور المتعلقة بالدنيا والاخرى ولا تلحوا له في المناجاة والدعاء فان ناقدكم بصير بحاجاتكم عليم بنياتكم فيها وعليكم الرضا بما جرى عليكم من القضاء فنعم القرين الرضا

واعلموا ايها المكلفون انه لا يُحِبُّ اللَّهُ المتجلى باسم الرّحمن على ذرائر الأكوان معتدلا مستويا بالقسط بلا تفاوت ولا يحسن الْجَهْرَ والاشاعة بِالسُّوءِ اى لا يحب ولا يرضى ان يشاع ويجهر بالقبيح المستهجن عقلا وشرعا ويبالى بشأنه ويستدعى لأجله إذ لا يجرى في ملكه وملكوته الا العدل والخير سيما الجهر مِنَ الْقَوْلِ على سبيل الإلحاد والاقتراح بأنواع الصوت والصراخ إِلَّا قول مَنْ ظُلِمَ فانه سبحانه يحب قول المظلوم وجهره به ليبادر بإجابته ويستعجل بانتقامه عن من ظلمه إذ الظلم خروج عن مقتضى العدل الإلهي وطريقه الأقوم وَكانَ اللَّهُ المتجلى على العدل القويم سَمِيعاً لجهر المظلوم عَلِيماً بظلم الظالم وبما استحق عليه من الجزاء يجازيه على مقتضى علمه

إِنْ تُبْدُوا وتظهروا ايها المؤمنون خَيْراً على رؤس الملأ والاشهاد أَوْ تُخْفُوهُ اى تفعلوه خفية عن الناس أَوْ تَعْفُوا وتجاوزوا عن الظالم ولم ينتقموا منه ولم يتضرعوا الى الله المنتقم عَنْ سُوءٍ اى عن فعل الظالم بكم فَإِنَّ اللَّهَ المطلع لسرائركم ونياتكم كانَ عَفُوًّا عنكم ماحيا لذنوبكم مع كونه قَدِيراً على وجوه الانتقام من اجلكم.

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ويشركون له بإثبات الوجود لغيره وَرُسُلِهِ اى يكفرون ايضا برسله ويكذبون إياهم مع كونهم مبعوثين على الحق لتبين الحق بالحق من عند الحق وَمع كفرهم وتكذيبهم يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ المتوحد المتفرد بذاته المستقل في وجوده وَبين رُسُلِهِ المستخلفين عنه من عنده بظهوره عليهم بجميع أسمائه وصفاته وَيَقُولُونَ من غاية جهلهم بظهور الله واستيلائه على مظاهره نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ من الرسل وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ آخر مع ان ظهوره في الكل على السواء بلا تفاوت وَيُرِيدُونَ اى يزعمون ويتوهمون أَنْ يَتَّخِذُوا ويثبتوا بَيْنَ ذلِكَ اى ارتباط الظاهر بالمظهر والمظهر بالظاهر سَبِيلًا غير سبيل الحق المطابق للواقع

أُولئِكَ البعداء المتوغلون في الكفر والضلال هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا اى الكافرون المنهمكون المتوغلون فيه المنتهون الى مرتبة لا يعبأ بايمانهم

<<  <  ج: ص:  >  >>