للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكتنه لميته

وانما أرسلنا رُسُلًا وأنزلنا معهم كتبا ليكونوا مُبَشِّرِينَ للناس بالتوحيد وبسائر المأمورات الواردة في الطريقة المؤدية اليه وَمُنْذِرِينَ لهم عن الشرك المنافى له وكذا عن جميع المحرمات المفضية اليه لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ المجبولين على الجدال والنزاع عَلَى اللَّهِ المنزه عن المجادلة والمراء حُجَّةٌ متمسك ودليل يتشبثون بها وقت أخذهم وانتقامهم يوم الجزاء ولا يبقى لهم حينئذ مجال مجادلة ومراء سيما بَعْدَ إرسال الرُّسُلِ لاهتدائهم الى طريق الحق وسبيل التوحيد مع كونهم مؤيدين من عنده سبحانه بالكتب والصحف والمعجزات الخارقة للعادات وَبالجملة قد كانَ اللَّهُ المستقل في الألوهية عَزِيزاً غالبا في جميع أوامره ونواهيه حَكِيماً في عموم تدبيراته المتعلقة بها ومن غاية جدالهم ونزاعهم يجادلون معك يا أكمل الرسل في رسالتك وكتابك ولا يشهدون بك وبحقية كتابك وبصدقك في رسالتك مع كونك مشهودا في كتبهم وعلى لسان رسلهم مكابرة وعنادا لا تبال بهم وبعدم شهادتهم

لكِنِ اللَّهُ المطلع بالسرائر والخفيات يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ اى بحقيته وصدقك فيه بانه قد أَنْزَلَهُ إليك ملتبسا بِعِلْمِهِ المتعلق بتأليف كلماته وكيفية ترتيبه ونظمه على وجه يعجز عنه جميع من تحدى وتعارض معه وَالْمَلائِكَةُ ايضا يَشْهَدُونَ بانه منزل من الحق بالحق على الحق وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً سواء شهدوا او لم يشهدوا.

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بك وبكتابك وَصَدُّوا اى اعرضوا وانصرفوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ المبين فيه قَدْ ضَلُّوا عن طريق التوحيد ضَلالًا بَعِيداً بحيث لا يرجى هدايتهم أصلا وكيف يرجى هدايتهم وقد أضلهم الله باسمه المضل

وبالجملة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ستروا طريق الحق وأظهروا الشرك وَمع ذلك قد ظَلَمُوا وخرجوا عن مقتضى حدود الله بالمرة لَمْ يَكُنِ اللَّهُ الهادي لعباده لِيَغْفِرَ لَهُمْ ذنوبهم لعظم جرمهم وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً من طرق النجاة لانهماكهم في الغفلة والضلالة

إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ البعد والخذلان خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا ينجون منها أصلا وَلا تستبعد يا أكمل الرسل عن الله أمثال هذه التبعيدات والتخذيلات إذ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ المنتقم المضل للغواة الطغاة يَسِيراً ثم لما بين سبحانه حقية الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصدقه في دعواه وأوعد على من كذبه وخالف كتابه ما أوعد أراد ان ينبه على عامة اهل التكليف من ارباب الملل وغيرهم ان يؤمنوا به وبجميع ما جاء به من عند ربه جميعا

فقال مناديا ليقبلوا عليه يا أَيُّهَا النَّاسُ المجبولون على الغفلة والنسيان قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ المبعوث الى كافة الخلق ملتبسا بِالْحَقِّ المطابق للواقع مرسلا مِنْ رَبِّكُمْ الذي رباكم بنعمة العقل الذي هو مناط عموم التكاليف وبه الوصول الى الايمان والتوحيد فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ اى فان تؤمنوا به بعد ما قد ظهر صدقه وحقيته كان خيرا لكم عند ربكم يوصلكم الى توحيده وَإِنْ تَكْفُرُوا به عنادا ولم تؤمنوا له مكابرة لا يبالى الله بكم لا بكفركم ولا بايمانكم فَإِنَّ لِلَّهِ اى يسجد ويخضع له جميع ما فِي السَّماواتِ وَما في الْأَرْضِ ارادة وطوعا وَكانَ اللَّهُ المكلف الآمر لعباده عَلِيماً بقابلياتهم حَكِيماً في ما أمرهم به وكلفهم عليه ليفوزوا فوزا عظيما

يا أَهْلَ الْكِتابِ اى الإنجيل المبالغين في امر عيسى عليه السّلام الى حيث ينتهى مبالغتكم الى الغلو المذموم عقلا وشرعا لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ونبيكم ولا تبالغوا في الإغراء في وصفه عليه السّلام وَعليكم ان لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ الواحد الأحد الفرد

<<  <  ج: ص:  >  >>