للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العزم ان تصفى أولا سرك وسريرتك عن التوجه الى غير الحق وتجعل مطلبك ومقصدك الاستغراق والفناء في بحر الوحدة ولا يتيسر لك هذا الا بعد كسر سفينة هويتك الباطلة وتخريب اركان بدنك العاطلة ولا يتأتى لك هذا الكسر والتخريب الا بالرياضات الشاقة والمجاهدات الشديدة من الجوع والعطش والسهر المفرط والانقطاع عن اللذات الحسية والمشتهيات النفسية وكذا بالتلذذ بالموت الإرادي والفناء الاختياري وبالصبر على البلاء الاضطراري والرضا على عموم ما قد جرى عليه القضاء الإلهي ومتى تحقق هذه الأمور فيك قد وهن هويتك وضعف سفينتك وحينئذ يمكنك كسرها ان وفقت بها. اللهم زين بلطفك ظواهرنا بشريعتك وبواطننا بحقيقتك وأسرارنا بمشاهدتك وأرواحنا بمعاينتك انك على ما تشاء قدير وبإنجاح رجاء المؤملين حقيق جدير

[سورة المائدة]

[فاتحة سورة المائدة]

لا يخفى على المقيمين بحدود الله الموفين بعهوده المحافظين بعقوده المنعقدة بين أوصافه الذاتية بمناسبة بعضها مع بعض ومقابلة بعضها ببعض ان منشأ جميع الأوامر والنواهي الموردة في الشرع انما هي الأوصاف المتقابلة والأسماء المتخالفة الإلهية فإذا الاختلافات الواقعة بين الآثار المترتبة على تلك الأوصاف الذاتية انما تنشأ منها وتتفرع عليها والسر في ورود الأوامر والنواهي انما هو حصول الاعتدال والقسط الإلهي المعد لاستحقاق الخلافة والنيابة المقصودة من الظهور والإظهار والخلق والإيجاد لذلك كلف سبحانه خواص عباده المجبولين على هذه الفطرة بالتكليفات الشاقة والرياضات القالعة لعرق الكثرة والثنوية قطعا من قطع المألوفات وترك المشتهيات والمستلذات العائقة عن الاعتدال الفطري الإلهي وهداهم الى صراط مستقيم موصل الى توحيده بإسقاط الإضافات الطارئة من كثرة الأسماء والصفات المنتشئة من تطورات الذات وتجليات الحبية المتشعشعة ازلا وابدا بلا علل وأغراض ومالنا منها الا الحيرة والاستغراق والعجز والوله والهيمان ان وفقنا بها من عنده ولهذه المصلحة العلية قد امر سبحانه في هذه السورة عباده وأوصاهم أولا بإيفاء العهود ومحافظة العقود ليستعدوا بما لأجله جبلوا وخلقوا فقال مناديا متيمنا بِسْمِ اللَّهِ المستوي على عرشه بالعدل القويم الرَّحْمنِ لعباده بهدايتهم الى الصراط المستقيم الرَّحِيمِ لهم بايصالهم الى روضة الرضا وجنة التسليم

[الآيات]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم الوفاء بالعهود والعقود الموضوعة فيكم من لدنا لإصلاح حالكم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وواظبوا على اقامة الحدود ومحافظة المواثيق التي وضعها الحق بينكم المتعلقة لتدابير امور معاشكم ومعادكم من حملتها انها قد أُحِلَّتْ لَكُمْ في دينكم هذا بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ وهي الأزواج الثمانية التي ستذكر في سورة الانعام وما يشبهها تقويما لأمزجتكم وتقوية لها لتتمكنوا على إتيان ما كلفتم به إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ في كتاب الله تحريمه حال كونكم غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ مطلقا وَأَنْتُمْ في تلك الحالة حُرُمٌ محرمين للحج مأمورين بحبس القوى الشهوية والغضبية عن مقتضياتهما بل أنتم بارادتكم واختياركم معطلين لهما حتى تتمكنوا وتقدروا على الموت الإرادي الذي هو عبارة عن الحج الحقيقي عند العارف المحقق إِنَّ اللَّهَ المدبر لمصالح عباده يَحْكُمُ بمقتضى حكمته ومصلحته ما يُرِيدُ لهم من التحليل والتحريم بحسب الأوقات والحالات لا يسأل عن فعله بل لا بد لهم الانقياد تعبدا سيما في اعمال الحج

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالله اطاعة وتعبدا مقتضى ايمانكم ان لا تُحِلُّوا ولا تبيحوا لأنفسكم شَعائِرَ اللَّهِ اى المحرمات التي قد حرمها سبحانه في اوقات

<<  <  ج: ص:  >  >>