للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحرز عن سخطه وغضبه بلا غرض نفسانى وميل شهوانى فتقبل منى بمقتضى فضله ولطفه إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ اى ما يتقبل الله المطلع لسرائر عباده أعمالهم التي يتقربون بها الى الله الا مِنَ الْمُتَّقِينَ المتقربين اليه بين طرفي الخوف والرجاء المخلصين فيما جاءوا به خالصا لوجهه الكريم بلا ميل منهم الى ما تهوى نفوسهم

ثم اقسم هابيل بعد ما أوعده اخوه بالقتل والله يا أخي لَئِنْ بَسَطْتَ أنت إِلَيَّ يَدَكَ من افراط غيظك وغضبك وشؤم امارة نفسك وطغيان طبعك لِتَقْتُلَنِي ظلما بلا رخصة شرعية بل عن محض عناد ومكابرة ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لدفع ضررك وصولتك عن نفسي او لِأَقْتُلَكَ على مقتضى امارتى وكيف اقعل كذا إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ من تخريب بنيته لمجرد دفع الصائل وان رخص شرعا ولا أخاف على نفسي من القتل إذ الشهداء المقتولون ظلما احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله

بل إِنِّي من غاية اشفاقى واعطافى معك يا أخي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ اى لان تذهب ولان ترجع أنت الى الله بِإِثْمِي اى بإثمك المنسوب الى قتلى وَإِثْمِكَ الذي كنت فيه فَتَكُونَ حينئذ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ عند الله بهذا الظلم الصريح وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ عنده سبحانه

فَطَوَّعَتْ لَهُ اى لقابيل نَفْسُهُ اى هيجت نفسه حسده الى حيث رضى طوعا وحسن له الشيطان قَتْلَ أَخِيهِ رغبة فَقَتَلَهُ ظلما بلا مدافعة منه كما شرط فندم دفعة فَأَصْبَحَ وصار مِنَ جملة الْخاسِرِينَ خسرانا عظيما مبينا في الدنيا والآخرة وبعد ما وقع ما وقع تحير في دفعه واخفائه إذ لم يمت احد من بنى آدم الى تلك المدة فحمله على عاتقه ضرورة وسار معه الى حيث انتفخ وأنتن

فَبَعَثَ اللَّهُ تعالى المدبر الحكيم حينئذ أعلا ماله غُراباً فقتل غرابا آخر من جنسه عنده فأراد ان يدفنه لذلك يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ اى يضرب بمنقاره ورجله عليها ليحفرها لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي يدفع ويستر سَوْأَةَ أَخِيهِ اى جسده وجثته التي يسوءه بنتنه ونفخه فتفرس قابيل منه الأعلام قالَ حينئذ متحسرا متحزنا قلقا حائرا يا وَيْلَتى ويا هلكتا احضرى أَعَجَزْتُ وعزلت عن مقتضى العقل وعن الاهتداء به الى حيث أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ المنعزل عن مقتضى العقل والإدراك بل صرت انا متابعا له متلمذا منه فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي بتعليمه فواراه ودفعه فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ندامة مؤبدة بحيث لا يضحك مدة حياته أصلا وعاش مائة سنة واسود لونه الى حيث لم يعرف اهوام غيره

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ وبسبب وقوع هذا بين بنى آدم كَتَبْنا اى قد قضينا والزمنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ اى بلا قصاص شرعي أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ مرخص موجب لقتله من شرك وبغى وقطع طريق وغير ذلك من الفسادات العامة السارى شرها وضرها فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً إذ كل فرد من افراد الإنسان مستجمع لكمالات الجميع بسعة قلبه وعلو رتبته وفسحة استعداده وقابليته لمظهرية الحق وخلافته فكان قتله قتل الجميع وَكذا مَنْ أَحْياها اى خلصها وأنجاها من المهلكة والمتلفة فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً على الوجه المذكور وَبعد ما قضينا على بنى إسرائيل ما قضينا لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا تأكيدا له وتشديدا إياه بِالْبَيِّناتِ الدالة على عظم جريمة القتل عند الله وعظم الجزاء والنكال المترتب عليها في الآخرة ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ اى من بنى إسرائيل سيما بَعْدَ ذلِكَ التأكيد والتشديد فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ على أنفسهم بالقتل بلا رخصة شرعية من غير مبالاة بالآيات البينات

ثم قال سبحانه إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>