للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبال بهم وبعداوتهم إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فإنهم وان عادوك أشد عداوة وبغض فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً من المكروه فان الله يعصمك ويكفيك مؤنة شرهم وضرهم وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ على الوجه الذي امره الحق ونطق به الفرقان إِنَّ اللَّهَ المستوي باسم الرّحمن على عروش مطلق الذرائر الكائنة معتدلا بلا تفاوت يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ المعتدلين من عباده المائلين عن كلا طرفي الإفراط والتفريط المنتهيين الى قعر الجحيم وبالجملة ليس غرضهم من تحكيمك يا أكمل الرسل الإطاعة بك وبحكمك والوثوق لأمانتك ووقوفك بل ليس غرضهم الا التسهيل والتيسير والاعراض عن بعض الاحكام مداهنة

وَالا كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ مع عدم ايمانهم بك وبكتابك وَالحال انه عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ وقد ثبت فِيها حُكْمُ اللَّهِ على التفصيل وهم يدعون العلم والايمان به ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ وينصرفون عن حكمك مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى بعد ما حكمت فيما حكموك فيه مع انه مطابق لكتابهم وَبالجملة ما أُولئِكَ المعرضون المنصرفون عن حكمك هذا بِالْمُؤْمِنِينَ بكتابهم ايضا والا فلا وجه لاعراضهم وانصرافهم عن الحكم المطابق له

إِنَّا من مقام جودنا قد أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ على موسى وادرجنا فِيها هُدىً يهدى به الى الحق من ضل عن طريقه وَنُورٌ يكشف طريق التوحيد لمن استكشف منه يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ من أنبياء بنى إسرائيل الَّذِينَ أَسْلَمُوا لله وفوضوا أمورهم كلها اليه بعد ما تحققوا بتوحيده لِلَّذِينَ هادُوا ونسبوا الى اليهود وَكذا يحكم بها الرَّبَّانِيُّونَ اى المؤمنون المخلصون المنسوبون الى الرب بمتابعة الأنبياء ألا وهم الأولياء منهم وَكذا الْأَحْبارُ المتفقهة منهم يحكمون بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ واستنبطوه منه وَقد كانُوا عَلَيْهِ اى على ما استحفظوا واستنبطوا من التورية شُهَداءَ مستحضرين يراقبون ويداومون على حفظه فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ اى عليكم ايها الحكام ان لا تميلوا في الاحكام عن طريق الحق من أجل الناس المتعظمين بجاههم ورئاستهم ولا تداهنوا فيها رعاية لجانبهم بل وَاخْشَوْنِ عن حلول غضبى عليكم حين مخالفتكم امرى وحكمى مداهنة وَعليكم ايضا انه لا تَشْتَرُوا بِآياتِي واحكامى المنسوبة الى الشريعة ثَمَناً قَلِيلًا من الرشى وَاعلموا ان مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ اىّ بمقتضاه موافقا له فَأُولئِكَ البعداء المداهنون المرتشون هُمُ الْكافِرُونَ الساترون مقتضى الحكمة البالغة الإلهية باهويتهم الباطلة الخارجون عن ربقة العبودية بمخالفة حكم الله وامره

وَمن جملة الاحكام التي قد كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها القصاص فاعلموا ايها الحكام أَنَّ النَّفْسَ القاتلة تقتص بِالنَّفْسِ المقتولة عدوانا وَالْعَيْنَ الصحيحة تفقؤ بِالْعَيْنِ المفقوءة ظلما وَالْأَنْفَ يقطع بِالْأَنْفِ المقطوع وَالْأُذُنَ تصلم بِالْأُذُنِ المصلومة وَالسِّنَّ تقلع بِالسِّنِّ المقلوعة وَاعلموا ايضا ان الْجُرُوحَ مطلقا تجرى فيها قِصاصٌ مثلا بمثل على قياس ما ذكر في المذكورات فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ اى بالقصاص وعفا عنه طوعا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ اى عفوه وتصدقه عن القصاص ما هو الا كفارة لذنوبه وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ العليم الحكيم في حكم من الاحكام ميلا وارتشاء مداهنة ومراء فَأُولئِكَ الحاكمون المتجازون عن مقتضى احكام الله هُمُ الظَّالِمُونَ الخارجون عن مقتضيات الايمان والإطاعة والانقياد

وَبعد ما انقرض أولئك الأنبياء الحاكمون قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ واتبعناهم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ خلفا لهم مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>